- وقد أوضح الإمام أبو جعفر الطحاوي رحمه الله اعتقاد أهل السنة عن صفة كلام الله تعالى قائلا: -وأن القرآن كلام الله منه بدأ بلا كيفية قولا، وأنزله على رسوله وحيا، وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة، ليس بمخلوق ككلام البرية ... علمنا وأيقنا أنه قول خالق البشر ولا يشبه قول البشر-.
- وعليه كان ينبغي على مؤلفي هذا الكتاب إذا أرادا النصح للأمة وتوحيد كلمتها أن يبينوا للناس قول الحق وأن الأشاعرة والكلابية خالفوا أهل السنة في كثير من المسائل لاسيما مسائل الأسماء والصفات حيث لا يثبتون لله صفة إلا بعد تأويل معناها خوفا من التشبيه على حد زعمهم، ولهذا يقول صاحب الجوهرة في صـ91: -وكل نص أوهم التشبيه أوله أو فوضه-.
وهل بعد هذا يمكن أن يقول عاقل أن العقيدة الطحاوية تتطابق مع ما ذهب إليه الأشاعرة، كما جاء في الكتاب -ومن يطالع العقيدة الطحاوية يعلم مطابقتها لما عليه السادة الأشاعرة، ويعلم أنهم جميعا يصدرون من مشكاة واحدة!! -، أين المطابقة التي يدعونها، فهل الإمام الطحاوي يقول إن القرآن ليس بحرف ولا صوت، أم يقول إنه مخلوق في اللوح المحفوظ، سبحان الله لماذا هذا التجني على العلماء وتحريف كلامهم؟ نعوذ به من الخذلان.
مذهب الأشعري الأخير
حاول المؤلفان التشكيك في أقوال أهل العلم التي تثبت أن أبا الحسن الأشعري مر بمراحل ثلاث حتى انتهى إليه الأمر إلى مذهب أهل السنة والجماعة الذي يثبت لله ما أثبته لنفسه وأثبته له رسوله من غير تأويل ولا تعطيل ولا تحريف، متسائلين هل مات الإمام على عقيدة غير العقيدة التي كان عليها بعد توبته من الاعتزال، وجاءوا بكلام متناقض محاولين نفي تراجعه عن المذهب الأشعري المتعارف عليه اليوم بينما أقوال علماء المحققين تؤكد أنه مات على منهج السلف في العقيدة.
ويقول الإمام الذهبي في ترجمته لأبي الحسن الأشعري رحمه الله: الأشعري العلامة إمام المتكلمين أبو الحسن ... وكان عجبا في الذكاء وقوة الفهم ولما برع في معرفة الاعتزال كرهه وتبرأ منه وصعد للناس فتاب إلى الله تعالى منه ثم أخذ يرد على المعتزلة ويهتك عوارهم ... قلت رأيت لأبي الحسن أربعة تواليف في الأصول يذكر فيها قواعد مذهب السلف في الصفات وقال فيها تمر كما جاءت ثم قال وبذلك أقول وبه أدين ولا تؤول.
ويقول فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله: إن هؤلاء المتأخرين الذين ينتسبون إليه لم يقتدوا به الاقتداء الذي ينبغي أن يكونوا عليه، وذلك أن أبا الحسن كان له مراحل ثلاثة في العقيدة:
المرحلة الأولى: مرحلة الاعتزال: اعتنق مذهب المعتزلة أربعين عاماً يقرره ويناظر عليه، ثم رجع عنه وصرح بتضليل المعتزلة وبالغ في الرد عليهم.
المرحلة الثانية: مرحلة بين الاعتزال المحض والسنة المحضة سلك فيها طريق أبي محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب.
المرحلة الثالثة: مرحلة اعتناق مذهب أهل السنة والحديث مقتدياً بالإمام أحمد بن حنبل رحمه الله كما قرره في كتابه: -الإبانة عن أصول الديانة- وهو من آخر كتبه أو آخرها.
قال في مقدمته: -جاءنا - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - بكتاب عزيز، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، جمع فيه علم الأولين، وأكمل به الفرائض والدين، فهو صراط الله المستقيم، وحبله المتين، من تمسك به نجا، ومن خالفه ضل وغوى وفي الجهل تردى، وحث الله في كتابه على التمسك بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. فقال عز وجل: -وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا- ... إلى أن قال: فأمرهم بطاعة رسوله كما أمرهم بطاعته، ودعاهم إلى التمسك بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم كما أمرهم بالعمل بكتابه، فنبذ كثير ممن غلبت شقوته، واستحوذ عليهم الشيطان، سنن نبي الله صلى الله عليه وسلم وراء ظهورهم، وعدلوا إلى أسلاف لهم قلدوهم بدينهم ودانوا بديانتهم، وأبطلوا سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفضوها وأنكروها وجحدوها افتراءً منهم على الله -قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ-.
- والمتأخرون الذين ينتسبون إليه أخذوا بالمرحلة الثانية من مراحل عقيدته، والتزموا طريق التأويل في عامة الصفات.
¥