وقال بعض قدماء أصحاب شيخنا وقد ذكر نبذة من سيرته أما مبدأ أمره ونشأته فقد نشأ من حين نشأ في حجور العلماء راشفا كؤوس الفهم راتعا في رياض التفقه ودوحات الكتب الجامعة لكل فن من الفنون لا يلوي إلى غير المطالعة والاشتغال والأخذ بمعالي الأمور خصوصا علم الكتاب العزيز والسنة النبوية ولوازمها ولم يزل على ذلك خلفا صالحا سلفيا متألها عن الدنيا صينا تقيا برا بأمه ورعا عفيفا عابدا ناسكا صواما قواما ذاكرا لله تعالى في كل أمر وعلى كل حال رجاعا إلى الله تعالى في سائر الأحوال والقضايا وقافا عند حدود الله تعالى وأوامره ونواهيه آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر بالمعروف لا تكاد نفسه تشبع من العلم فلا تروى من المطالعة ولا تمل من الأشتغال ولا تكل من البحث وقل أن يدخل في علم من العلوم من باب من أبوابه إلا ويفتح له من ذلك الباب أبواب ويستدرك مستدركات في ذلك العلم على حذاق اهله مقصوده الكتاب والسنة ولقد سمعته في مبادىء أمره يقول إنه ليقف خاطري في المسألة والشيء
أو الحالة التي تشكل على فأستغفر الله تعالى ألف مرة أوأكثر أو أقل حتى ينشرح الصدر وينحل إشكال ما أشكل قال وأكون اذ ذاك في السوق أو المسجد أو الدرب أو المدرسة لا يمنعني ذلك من الذكر والاستغفار إلى أن أنال مطلوبي
قال هذا الصاحب ولقد كنت في تلك المدة وأول النشأة إذا اجتمعت به في ختم أو مجلس ذكر خاص مع أحد المشايخ المذكورين وتذاكروا وتكلم مع حداثة سنه أجد لكلامه صولة على القلوب وتأثيرا في النفوس وهيبة مقبولة ونفعا يظهر أثره وتنفعل له النفوس التي سمعته أياما كثيرة بعقبه حتى كان مقاله بلسان حاله وحاله ظاهر له في مقاله شهدت ذلك منه غير مرة
قلت ثم لم يبرح شيخنا رحمه الله في ازدياد من العلوم وملازمة الاشتغال والاشغال وبث العلم ونشره والاجتهاد في سبل الخير حتى انتهت إليه الامامة في العلم والعمل والزهد والورع والشجاعة والكرم والتواضع والحلم والإنابة والجلالة والمهابة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وسائر أنواع الجهاد مع الصدق والعفة والصيانة وحسن القصد والإخلاص والابتهال إلى الله وكثرة الخوف منه وكثرة المراقبة له وشدة التمسك بالأثر والدعاء إلى الله وحسن الأخلاق
ونفع الخلق والإحسان إليهم والصبر على من آذاه والصفح عنه والدعاء له وسائر أنواع الخير
وكان رحمه الله سيفا مسلولا على المخالفين وشجى في حلوق أهل الأهواء المبتدعين وإماما قائما ببيان الحق ونصرة الدين وكان بحرا لا تكدره الدلاء وحبرا يقتدي به الأخيار الألباء طنت بذكره الأمصار وضنت بمثله الأعصار
قال شيخنا الحافظ أبو الحجاج ما رأيت مثله ولا رأى هو مثل نفسه وما رأيت أحدا أعلم بكتاب الله وسنة رسوله ولا أتبع لهما منه
وقال العلامة كمال الدين بن الزملكاني كان إذا سئل عن فن من العلم ظن الرائي والسامع أنه لا يعرف غير ذلك الفن وحكم أن أحدا لا يعرفه مثله وكان الفقهاء من سائر الطوائف إذا جلسوا معه استفادوا في مذاهبهم منه ما لم يكونوا عرفوه قبل ذلك ولا يعرف أنه ناظر أحدا فانقطع معه ولا تكلم في علم من العلوم سواء أكان من علوم الشرع أم غيرها إلا فاق فيه أهله والمنسوبين إليه وكانت له اليد الطولى في حسن
التصنيف وجودة العبارة والترتيب والتقسيم والتبيين
ووقعت مسألة فرعية في قسمة جرى فيها اختلاف بين المفتين في العصر فكتب فيها مجلدة كبيرة وكذلك وقعت مسألة في حد من الحدود فكتب فيها مجلدة كبيرة ولم يخرج في كل واحدة عن المسألة ولا طول بتخليط الكلام والدخول في شيء والخروج من شيء وأتى في كل واحدة بما لم يكن يجري في الأوهام والخواطر واجتمعت فيه شروط الاجتهاد على وجهها
وقرأت بخط الشيخ كمال الدين أيضا على كتاب بيان الدليل على إبطال التحليل لشيخنا وقد ذكر ترجمته فقال من مصنفات سيدنا وشيخنا وقدوتنا الشيخ السيد الإمام العلامة الأوحد البارع الحافظ الزاهد الورع القدوة الكامل العارف تقي الدين شيخ الإسلام ومفتي الأنام سيد العلماء قدوة الأئمة الفضلاء ناصر السنة قامع البدعة حجة الله على العباد راد أهل الزيغ والعناد أوحد العلماء العاملين آخر المجتهدين أبي العباس أحمد بن عبدالحليم بن عبدالسلام بن عبدالله بن أبي القاسم ابن محمد بن تيمية الحراني حفظ الله على المسلمين طول حياته وأعاد عليهم من بركاته إنه
¥