أما بعد؛ فقد فهمت ما سألت فيما تتابعت الجهمية ومن حالفها في صفة الرب العظيم الذي فاتت عظمته الوصف والتقدير، وكلت الألسن عن تفسير صفته، وانحسرت العقول دون معرفة قدره، ودعت عظمته العقول فلم تجد مساغا فرجعت خاسئة وهي حسير ...
ثم قال رحمه الله: فأما الذي جحد ما وصف الرب من نفسه تعمقا وتكلفا، قد استهوته الشياطين في الأرض حيران، فصار أحدها ومنها.
يستدل _زعم _على جحد ما وصف الرب وسمى من نفسه بأن قال: " لا بد إن كان له كذا من أن يكون له كذا
فعمي عن البين بالخفي، بجحد ما سمى الرب من نفسه، فلم يزل يملي له الشيطان حتى جحد قول الله تعالى (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) [القيامة 22]، فقال لا يراه أحد يوم القيامة، فجحد والله أفضل كرامة الله التي أكرم بها أولياءه يوم القيامة من النظر إلى وجهه ونضرته إياهم (في مقعد صدق عند مليك مقتدر) [القمر 55]، وقد قضى أنهم لا يموتون فهم بالنظر إليه ينضرون.
وإنما كان يهلك من رآه حيث لم يكن يبقى سواه، فلما حتم البقاء ونفى الموت والفناء أكرم أولياءه بالنظر إليه واللقاء، فورب السماء والأرض ليجعلن الله رؤيته يوم القيامة للمخلصين ثوابا، فتنضر بها وجوههم دون المجرمين، وتفلح بها حجتهم على الجاحدين.
كيف لم يعتبر قائله بقول الله تعالى (إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) [المطففين 15] أيظن أن الله يفصيهم ويعذبهم بأمر يزعم الفاسق أنه وأولياؤه فيه سواء!؟ وإنما جحد رؤيته يوم القيامة إقامة للحجة الضالة المضلة، لأنه قد عرف إذا تجلى لهم يوم القيامة رأوا منه ما كانوا به قبل ذلك مؤمنين، وكان له جاحدا.
وقال المسلمون يا رسول الله هل نرى ربنا؟ وذلك قبل أن ينزل الله عز وجل (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) [القيامة 22] فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل تضارون في رؤية الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا، قال: فهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر، ليس دونه سحاب؟ قالوا: لا، قال: فإنكم ترون ربكم يؤمئذ كذلك. الإبانة لأبي عبد الله بن بطة العكبري، كتاب الرد على الجهمية (3/ 63)
وقال يحيى بن محمد بن يحيى بن سلام: حدث أسد بن الفرات يوما بحديث فيه رؤية الله تبارك وتعالى يوم القيامة، وسليمان الفراء في مؤخر المجلس، فتكلم الفراء وأنكر، فسمعه أسد، فقام إليه وجمع بين طوقه ولحيته، واستقبله فضربه ضربا شديدا حتى أدماه طبقات علماء إفريقية (ص 82)
وقال ابن الحداد: حدثت عن أسد أن أصحابه كانوا يقرؤون عليه يوما في تفسير المسيب بن شريك، إلى أن قرأ القارئ: (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) [القيامة 22 _ 23]، وكان سليمان بن حفص جالسا بين يديه، فقال له: يا أبا عبد الله: من الانتظار؟، وكان إلى جانب أسد نعل غليظ، فأخذ أسد بتلبيبه، وكان أيدا، وأخذ بيده الأخرى نعله، وقال: إي والله يا زنديق، لتقولنها أو لأبيضن بها عينيك، فقال نعم، ننظره.رياض النفوس (1/ 265)
ـ[كاوا محمد ابو عبد البر]ــــــــ[01 - 11 - 09, 03:22 م]ـ
جزاك الله خيرا أخي الكريم ونفع وبارك بهذه الجهود.
وإليك تتمة لهذا المبحث من كلام أصحاب مالك رحمهم الله أجمعين:
قال شيخ المالكية ابن أبي زيد رحمه الله:
فمما اجتمعت عليه الأئمة من أمور الديانة ومن السنن التي خلافها بدعة وضلالة أن الله سبحانه يراه أولياؤه في المعاد بأبصار وجوههم لا يضامون في رؤيته، كما قال الله عز وجل في كتابه وعلى لسان نبيه، قال الرسول صلى الله عليه وسلم في قول الله سبحانه: (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) [يونس 26] قال: الحسنى الجنة، والزيادة النظر إلى وجه الله تعالى.
ثم قال في آخره: وكله قول مالك، فمنه منصوص من قوله، ومنه معلوم من مذهبه.
الجامع لابن أبي زيد (ص 141)
وقال عبد العزيز بن عبد الله بن الماجشون رحمه الله:
أما بعد؛ فقد فهمت ما سألت فيما تتابعت الجهمية ومن حالفها في صفة الرب العظيم الذي فاتت عظمته الوصف والتقدير، وكلت الألسن عن تفسير صفته، وانحسرت العقول دون معرفة قدره، ودعت عظمته العقول فلم تجد مساغا فرجعت خاسئة وهي حسير ...
¥