ـ[ابو عبد الرحمن القلموني]ــــــــ[06 - 11 - 09, 05:01 م]ـ
بارك الله بالاخوة عبد الله و أبو معاوية.
سأدرس ردّيكما بإذن الله. وان شاء الله أجد الفائدة التي أبحث عنها.
دمتم بخير يا اخواني.
ـ[أبو معاوية غالب]ــــــــ[06 - 11 - 09, 11:57 م]ـ
وفيك بارك الله
السلف يفوضون الكيف ليس المعنى
يقول تعالى: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب} [ص:29]. ويقول: {أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً} [النساء:82]. ويقول سبحانه: {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها} [محمد: 24]، ويقول صلى الله عليه وسلم:» خيركم من تعلم القرآن وعلمه» ().
فحثّ الله على تدبّر القرآن كله ولم يستثن شيئاً منه، ووبّخ من لم يتدبره، وبين أن الحكمة من إنزاله أن يتدبره الذي أنزل إليهم ويتعظ به أصحاب العقول، ولولا أن له معنى يعلم بالتدبر لكان الحثّ على تدبره من لغو القول، ولكان الاشتغال بتدبره من إضاعة الوقت، ولفاتت الحكمة من إنزاله، ولما حسن التوبيخ على تركه.
والحث على تدبّر القرآن شامل لتدبّر جميع آياته الخبرية العلمية والحكمية العملية، فكما أننا مأمورون بتدبر آيات الأحكام لفهم معناها والعمل بمقتضاها، إذ لا يمكن العمل بها بدون فهم معناها، فكذلك نحن مأمورون بتدبر آيات الأخبار لفهم معناها، واعتقاد مقتضاها، والثناء على الله تعالى بها، إذ لا يمكن اعتقاد ما لم نفهمه، أو الثناء على الله تعالى به «().
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية:
» لا يجوز أن يكون الله أنزل كلاماً لا معنى له، ولا يجوز أن يكون الرسول ? وجميع الأمّة لا يعلمون معناه، كما يقول ذلك من يقوله من المتأخرين، وهذا القول يجب القطع بأنه خطأ «()» فإنهم [أي السلف] فسّروا جميع القرآن، وقال مجاهد:
عرضت المصحف على ابن عباس من فاتحته إلى خاتمته أقفه عند كل آية وأسأله عنها، وتلقوا ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم كما قال أبو عبد الرحمن السلمي: حدّثنا الذين كانوا يُقرئوننا القرآن عثمان بن عفان، وعبدالله بن مسعود وغيرهما، أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات، لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، قالوا فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعاً. وكلام أهل التفسير من الصحابة والتابعين شامل لجميع القرآن إلا ما قد يشكل على بعضهم فيقف فيه، لا لأنّ أحداً من الناس لا يعلمه، لكن لأنه هو لم يعلمه «().
» وأيضاً فالكلام إنما المقصود به الإفهام، فإذا لم يقصد به ذلك كان عبثاً وباطلاً، والله تعالى قد نزّه نفسه عن فعل الباطل والعبث، فكيف يقول الباطل والعبث ويتكلم بكلام ينزله على خلقه لا يريد به إفهامهم «().
ويقول رحمه الله تعالى» وأما التفويض فمن المعلوم أن الله أمرنا بتدبّر القرآن، وحضنا على عقله وفهمه فكيف يجوز مع ذلك أن يراد منّا الإعراض عن فهمه ومعرفته وعقله». إلى أن قال:» فعلى قول هؤلاء يكون الأنبياء والمرسلون لا يعلمون معاني ما أنزل الله عليهم من هذه النصوص، ولا الملائكة، ولا السابقون الأولون، وحينئذ فيكون ما وصف الله به نفسه في القرآن، أو كثير مما وصف الله به نفسه لا يعلم الأنبياء معناه، بل يقولون كلاماً لا يعقلون معناه».
قال: «ومعلوم أن هذا قدح في القرآن، والأنبياء إذ كان الله أنزل القرآن وأخبر أنه جعله هدى وبيانا للناس، وأمر الرسول أن يبلغ البلاغ المبين، وأن يبين للناس ما نزل إليهم، وأمر بتدبر القرآن وعقله، ومع هذا فأشرف ما فيه وهو ما أخبر به الرب عن صفاته، أو عن كونه خالقا لكل شيء وهو بكل شيء عليم، أو عن كونه أمر ونهى، ووعد وتوعّد، أو عمّا أخبر به عن اليوم الآخر لا يعلم أحد معناه فلا يعقل، ولا يتدبّر، ولا يكون الرسول بيّن للناس ما نزل إليهم، ولا بلغ البلاغ المبين، وعلى هذا التقدير فيقول كل ملحد ومبتدع: الحق في نفس الأمر ما علمته برأيي وعقلي، وليس في النصوص ما يناقض ذلك؛ لأن تلك النصوص مشكلة متشابهة، ولا يعلم أحد معناها وما لا يعلم أحد معناه لا يجوز أن يستدلّ به، فيبقى هذا الكلام سدا لباب الهدى والبيان من جهة الأنبياء، وفتحا لباب من يعارضهم ويقول إن الهدى والبيان في طريقنا لا في طريق الأنبياء؛ لأنّا نحن نعلم ما نقول ونبينه بالأدلة العقلية، والأنبياء لم يعلموا ما يقولون، فضلا عن أن يبينوا مرادهم، فتبين أن قول أهل التفويض الذين يزعمون أنهم متبعون للسنّة والسلف من شر أقوال أهل البدع والإلحاد» ().
ويقول ابن جرير الطبري ـ رحمه الله ـ:
» فإذ كان تفاضل مراتب البيان، وتباين درجات الكلام، بما وصفنا قبل – وكان الله تعالى ذِكره وتقدّست أسماؤه، أحكم الحكماء، وأحلم الحلماء، كان معلوماً أن أبين البيان بيانه، وأفضل الكلام كلامه، وأن قدرَ فضْل بيانه، جلّ ذكره، على بيان جميع خلقه، كفضله على جميع عباده.
فإذ كان كذلك – وكان غير مبين منّا عن نفسه مَنْ خاطب غيره بما لا يفهمه عنه المخاطب – كان معلوماً أنه غير جائز أن يخاطب جل ذكره أحدا من خلقه إلا بما يفهمه المخاطب، ولا يرسل إلى أحد منهم رسولا برسالة إلا بلسان وبيان يفهمه المرسل إليه؛ لأن المخاطب والمرسل إليه، إن لم يفهم ما خوطب به وأرسل به إليه، فحاله – قبل الخطاب وقبل مجيء الرسالة إليه وبعده – سواء، إذ لم يفده الخطابُ والرسالة شيئاً كان به قبل ذلك جاهلا.
والله جلّ ذكره يتعالى عن أن يخاطب خطاباً أو يرسل رسالة لا توجب فائدة لمن خوطب أو أرسلت إليه؛ لأن ذلك فينا من فعل أهل النقص والعبث، والله تعالى عن ذلك متعال.
ولذلك قال جل ثناؤه في محكم تنزيله:
{وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبيّن لهم}
[إبراهيم: 4]، وقال لنبيّه محمد: صلى الله عليه وسلم: {وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبيّن لهم الذي اختلفوا فيه وهدىً ورحمة لقوم يؤمنون}
[النحل: 64]. فغير جائز أن يكون به مهتدياً، من كان بما يُهدى إليه جاهلاً «().
منقول من رسالتي الخلاصة المفيدة