» وعلماء الأمة وأعيان الأئمة من السلف رحمهم الله لم يختلفوا في أن الله تعالى على عرشه، وعرشه فوق سماواته يثبتون له من ذلك ما أثبته الله تعالى، ويؤمنون به ويصدقون الربّ جلّ جلاله في خبره، ويطلقون ما أطلقه سبحانه وتعالى من استوائه على العرش، ويُمرّونه على ظاهره ويكلون علمه إلى الله «.
% وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم:» سألت أبي وأبا زرعة عن مذاهب أهل السنة في أصول الدين وما أدركا عليه العلماء في جميع الأمصار وما يعتقدان من ذلك؟
فقالا: أدركنا العلماء في جميع الأمصار – حجازا وعراقا وشاما ويمنا – فكان من مذهبهم: … وأنّ الله عز وجل على عرشه بائن من خلقه كما وصف نفسه في كتابه وعلى لسان رسوله ? بلا كيف؟ أحاط بكل شيء علماً ? ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ? «().
% وقال الإمام الحافظ ابن قدامة المقدسي (541 - 620 هـ) في كتابه» صفة العلو لله الواحد القهّار «ص 12:
» إنّ الله تعالى وصف نفسه بالعلو في السماء، ووصفه بذلك رسوله محمد خاتم الأنبياء ?، وأجمع على ذلك جميع العلماء من الصحابة الأتقياء، والأئمة من الفقهاء «.
% وقال الإمام الحافظ أبو عمر يوسف بن عبدالله بن محمد بن عبدالبر النمري القرطبي (368 –463 هـ) في الجزء السابع من كتابه» التمهيد «(ص 129):
» وفيه دليل [يعني حديث النزول] على أن الله ? في السماء على العرش من فوق سبع سموات، كما قالت الجماعة «.
وفي (ص 145) قال رحمه الله:
«أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنّة، والإيمان بها، وحملها على الحقيقة لا المجاز إلا أنهم لا يكيفون شيئاً من ذلك، ولا يحدون فيه صفة محصورة. وأمّا أهل البدع والجهمية والمعتزلة كلها والخوارج، فكلهم ينكرها، ولا يحمل شيئاً منها على الحقيقة، ويزعمون أن من أقرّ بها مشبه، وهم عند من أثبتها نافون للمعبود، والحق فيما قاله القائلون بما نطق به كتاب الله وسنّة رسوله، وهم أئمة الجماعة والحمدلله».
% ويقول الحافظ الكبير إمام الأئمة محمد بن إسحق ابن خزيمة المتوفى سنة 311 في كتابه:» التوحيد وإثبات صفات الربّ «ص (10):
» (باب ذكر إثبات وجه الله): … فأثبت الله لنفسه وجها وصفه بالجلال والإكرام وحكم لوجهه بالبقاء ونفى الهلاك عنه، فنحن وجميع علمائنا من أهل الحجاز وتهامة واليمن والعراق والشام ومصر مذهبنا أنا نثبت لله ما أثبته الله لنفسه نقر بذلك بألسنتنا ونصدّق بذلك بقلوبنا من غير أن نشبه وجه خالقنا بوجه أحد من المخلوقين وعزّ ربنا عن أن نشبهه بالمخلوقين وجلّ ربّنا عن مقالة المعطلين وعزّ عن أن يكون عدماً كما قاله المبطلون «.
% وقال الشيخ الإمام أبو عبد الله عبد الله بن محمد بن بطة العكبري الحنبلي المتوفى سنة 386 في كتابه
«الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية ومجانبة الفرق المذمومة»:
» وأجمع المسلمون من الصحابة والتابعين، وجميع أهل العلم من المؤمنين أن الله تبارك وتعالى على عرشه فوق سماواته بائن من خلقه «().
% وقال أنس ?:
» فكانت زينب تفخر على أزواج النبي ? تقول زوجكن أهليكن وزوّجني الله تعالى من فوق سبع سموات «().
% وقال ابن مسعود ?» العرش فوق الماء والله فوق العرش لا يخفى عليه شيء من أعمالكم «().
% ويقول الإمام البخاري في» صحيحه «» كتاب التوحيد، باب وكان عرشه على الماء، وهو ربُّ العرش العظيم «: قال أبو عالية: استوى إلى السماء: ارتفع. وقال مجاهد، استوى: علا على العرش.
% ويقول إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رحمه الله:
» ولا نرضى أن يقول: كلام الله ويسكت حتى نقول: إنه غير مخلوق «().
% و» حبس هشام بن عبد الملك رجلا في التجهم فتاب فجيء به إلى هشام ليمتحنه فقال: الحمد لله على التوبة أتشهد أن الله على عرشه بائن من خلقه قال: أشهد أن الله على عرشه ولا أدري ما بائن من خلقه فقال: ردوه إلى الحبس فإنه لم يتب «().
% وقال شيخ الإسلام ابن تيمية
في» الفتوى الحموية «(ص 23): روى أبو بكر البيهقي في
» الأسماء والصفات «بإسناد صحيح عن الأوزاعي قال:
كنّا – والتابعون متوافرون – نقول: إنّ الله - تعالى ذكره – فوق عرشه، ونؤمن بما وردت به السنّة من الصفات «.
% وقال رحمه الله أيضا (ص 64):
» فما يمكن أحداً قط أن ينقل عن واحد من السلف
ما يدل – لا نصاّ ولا ظاهراً – أنهم كانوا يعتقدون أنّ الله ليس فوق العرش، ولا أن الله ليس له سمع وبصر ويدّ حقيقية، وقد رأيت هذا المعنى ينتحله بعض من يحكيه عن السلف ويقولون: إن طريقة أهل التأويل هي في الحقيقة طريقة السلف، بمعنى أن الفريقين اتفقوا على أن هذه الآيات والأحاديث لم تدل على صفات الله سبحانه وتعالى، ولكن السلف سكتوا عن تأويلها، والمتأخرون رأوا المصلحة في تأويلها لمسيس الحاجة إلى ذلك، ويقولون: الفرق أن هؤلاء يعينون المراد بالتأويل، وأولئك لا يعينون لجواز أن يراد غيره، وهذا القول على الإطلاق كذب صريح على السلف، أمّا في كثير من الصفات فقطعاً، مثل أن الله تعالى فوق العرش، فإن من تأمل كلام السلف المنقول عنهم الذي لم يحك هنا عشره علم بالاضطرار أن القوم كانوا مصرحين بأن الله فوق العرش حقيقة، وأنهم ما اعتقدوا خلاف هذا قط، وكثير منهم صرّح في كثير من الصفات بمثل ذلك.
والله يعلم أني بعد البحث التام ومطالعة ما أمكن من كلام السلف ما رأيت كلام أحد منهم يدل – لا نصاً ولا ظاهراً ولا بالقرائن – على نفي الصفات الخبرية في نفس الأمر، بل الذي رأيته أن كثيراً من كلامهم يدل – إمّا نصّاً وإمّا ظاهراً – على تقرير جنس هذه الصفات، ولا أنقل عن كل واحد منهم إثبات كل صفة، بل الذي رأيته أنهم يثبتون جنسها في الجملة، وما رأيت أحداً منهم نفاها، وإنما ينفون التشبيه وينكرون على المشبهة الذين يشبهون الله بخلقه، مع إنكارهم على من ينفي الصفات أيضاً، كقول نعيم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري: من شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس ما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيهاً «.
نقلته من رسالتي الخلاصة المفيدة في إثبات معاني صفات الله الحميدة
¥