ثم جاءت الفترة النهائية وفيها الشدة والغلظة على المخالفين، وإخراجهم من الملة إن لم يدخلوا في دينه بخلاف من مات قبل مجيئه، ومن هنا قال: ((إن الذين خلوا من قبلي لا إثم عليهم وهم مبرءون، والذين بلغتهم دعوتي ورأوا آياتي وعرفوني وعرفتهم بنفسي وتمت عليهم حجتي ثم كفروا بآيات الله وآذوني أولئك قوم حق عليهم عقاب الله، خصوصاً بعد أن صار مهدياً متجسداً بمحمد صلى الله عليه وسلم كما زعم.
وعلى أساس هذا المفهوم، فكل من أنكر أو كذب بنبوة الغلام فهو نفسه تكذيب وإنكار لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وكل جزاء يلحق بمن كذب بمحمد صلى الله عليه وسلم هو نفسه الجزاء الذي يحل بمن يكذب بالقادياني.
ولهذا فكل آية فيها ذكر محمد فإنها تنطبق أيضاً على الغلام المسيح الموعود لاتحادهما في الاسم وشمول الرسالة والتجسد، ومن هنا فلا غرابة في عدم تغيير القادياني لفظة الشهادة في الإسلام، بل أبقاها على صيغتها الشرعية: ((لا إله إلا الله محمد رسول الله))؛ لأن القاديانية يزعمون- كما زعم لهم الغلام لنفسه-أن من أسمائه ((محمداً))؛ فلهذا يكفي ذلك اللفظ عن الإتيان بصيغة جديدة. وفي هذا يقول بشير أحمد ابن الغلام القادياني: ((نحن لا نحتاج لديننا إلى كلمة جديدة للشهادة بنوبة غلام أحمد؛ لأنه ليس بين النبي وبين غلام أحمد أي فارق)).
هذا تعليلهم، ولعل الصحيح أنهم لم يغيروا الشهادة خبثاً وتقية؛ ليكملوا تحت شعار الإسلام ما يهدم الإسلام، ويحقق أهدافهم، وتنتشر تعاليمهم بين العامة من المسلمين على طرف من الحذر وعمق في التمويه، والسير إلى النهاية ببطء ودقة.
الفصل الخامس
ما هي نبوءات الغلام المتنبئ؟
وبعد أن أثبت لنفسه النبوة كان حتماً عليه أن يخبر بالمغيبات على طريقة الرسل الذين يطلعهم الله على غيبه لمصلحة يعلمها عز وجل.
فكان الغلام إذاً على نفس المسلك، ولكن كان بينه وبين المسلك النبوي كما بين السماء والأرض.
ما أبعد الفرق بين القوم في شرف وبيننا يا حثالات الحثالات لقد ظن الغلام أنه بمجرد الإخبار بالمغيبات تثبت نبوته، وتناسى مصداق ما يخبر به النبي ووقوعه على وفق ما أخبر، ولقد خانه الحظ السعيد في أغلب أخباره فكانت تأتي النتائج سلبية وبعكس ما يخبر به تماماً مرة بعد مرة، ولقد عانى هموماً شديدة من ذلك، إلا أنه كان يحاول إخفاء ذلك بشتى الأجوبة والحيل لتغطية الفشل الذريع الذي كان يمنى به، ولكنه كان من الثبات بمكان؛ فلا يفشل في خبر إلا وقد جاء بغيره على طريقة الكهان الذين يصدقون في كل مائة كذبة مرة واحدة، لتكون منطلقاً لنشرها بين الناس.
وفيما يلي نذكر بعض تلك الإلهامات التي جاء بها للتدليل على نبوته ومنها:
1. قصة غرامية حصلت له- لا يهمنا منها إلا جانب واحد، ومفاد هذه القصة أن الغلام أحب امرأة تسمى محمدي بيكم بنت الميرزا أحمد بك، وهو ابن خاله. خطبها الغلام بعد أن زعم أن الله أوحى إليها أنها ستكون زوجة له، وأن الله وعده بذلك، والله لا يخلف الوعد، وتحدى على ذلك كل من أراد أن يحول بينه وبين الزواج بها، وجاء بإلهامات وأخبار طويلة، وأن الذي يتزوجها غيره لا بد وأن يموت في خلال سنتين.
وخاب أمله ورفض والدها أن يزوجها منه رغم ما بذل في تحقيق ذلك، ورغم هذه الصولات والجولات فقد وقع المحذور وتزوجت هذه المرأة من غيره، وأنجبت له أولاداً وعاش زوجها عيشة هنيئة سنين عديدة، ومات الغلام وهو يتحدى من يشككه في إخبار الله له، وصدق عليه قوله حين قال متحدياً:
2. وتنبأ كذلك بأمور كثيرة خاب أمله فيها كلها، فقد جرؤ على ادعاء أمر خطير جداً يظهر فيه كذب الكاذب بعد فترة بسيطة مهما كان، وذلك هو ادعاؤه علم الغيب ومعرفة وفيات الناس الذين يغضب عليهم حيث قال: إن فلاناً الذي عاداني سيموت بعد كذا من المدة؛ يحددها بالتاريخ، فينتظر القاديانيون بفارغ الصبر تحقيق تلك النبوءة فينعكس الحال تماماً. والأمثلة على ذلك كثيرة، ولا يهمنا استقصاؤها؛ ذلك أنها جزء متمم لدعوى النبوة وفرع عنها. وما دام الأصل قد قام على شفا جرف هار؛ فإن الفرع تبع له.
وقد صارت أخبار نبوءاته وفشله فيها من الحكايات التي يتسلى بها الناس، ومن ذلك:
¥