" وزعموا أن ظاهر ما يدل عليه الكتاب والسنة تشبيه وتجسيم وضلال، واشتقوا من ذلك لمن آمن بما أنزل الله على رسوله اسماء ما أنزل الله بها من سلطان، بل هي افتراء على الله، ينفرون بها عن الإيمان بالله ورسوله.
وزعموا أن ما ورد في الكتاب والسنة من ذلك - مع كثرته وانتشاره - من باب التوسع والتجوز، وأنه يحمل على مجازات اللغة المستبعدة، وهذا من أعظم أبواب القدح في الشريعة المحكمة المطهرة، وهو من جنس حمل الباطنية نصوص الإخبار عن الغيوب كالمعاد والجنةوالنار على التوسع والمجاز دون الحقيقة، وحملهم نصوص الامروالنهي على مثل ذلك، وهذا كله مروق عن دين الإسلام.
ولم ينه علماء السلف الصالح وأئمة الإسلام كالشافعي وأحمد وغيرهما عن الكلام وحذروا عنه، إلا خوفاً من الوقوع في مثل ذلك، ولو علم هؤلاء الأئمة أن حمل النصوص على ظاهرها كفر لوجب عليهم تبيين ذلك وتحذير الأمة منه؛ فإن ذلك من تمام نصيحة المسلمين، فكيف كان ينصحون الأمة فيما يتعلق بالاحكام العملية ويدعون نصيحتمهم فيما يتعلق بأصول الاعتقادات، هذا من أبطل الباطل ...
وقد صح عن ابن عباس أنه أنكر على من أستنكر شيئاً من هذه النصوص، وزعم أن الله منزه عما تدل عليه:
فروى عبد الرزاق في ((كتابه)) عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، قال: سمعت رجلاً يحدث ابن عباس بحديث أبي هريرة: ((تحاجت الجنة والنار))، وفيه:
((فلا تمتلي حتى يضع رجله)) - أو قال: ((قدمه - فيها)).
قال: فقام رجل فانتفض، فقال ابن عباس: ما فرق هؤلاء، يجدون رقة عند محكمة، ويهلكون عند متشابهه.
وخَّرجه إسحاق بن راهويه في ((مسنده)) عن عبد الرزاق.
ولو كان لذلك عنده تأويل لذكره للناس ولم يسعه كتمانه " ا. هـ
وتأمل قوله " وزعم أن الله منزه عما تدل عليه " فإثبات المفهوم الذي دلت عليه هو
إلى أن قال:
" ومن جملة صفات الله التي نؤمن بها، وتمر كما جاءت عندهم: قوله تعالى: (وَجَاءَ رَبُّكَ والْمَلَكُ صَفاًّ صَفاًّ ([الفجر: 22] ونحو ذلك مما دل على إتيانه ومجيئه يوم القيامة.
وقد نص على ذلك أحمد وإسحاق وغيرهما.
وعندهما: أن ذلك من أفعال الله الاختيارية التي يفعلها بمشيئته واختياره.
وكذلك قاله الفضيل بن عياض وغيره من مشايخ الصوفية أهل المعرفة.
وقد ذكر حرب الكرماني أنه أدرك على هذا القول كل من أخذ عنه العلم في البلدان، سمى منهم: أحمد وإسحاق والحميدي وسعيد بن منصور.
وكذلك ذكره أبو الحسن الأشعري في كتابه المسمى ب - الإبانة -، وهو من أجل كتبه، وعليه يعتمد العلماء وينقلون منه، كالبيهقي وأبي عثمان الصابوني وأبي القاسم ابن عساكر وغيرهم ".
فإمرارها كما جاءت لم يمنع من إثبات ما دلت عليه من أنها أفعال قائمة به وأنها تتعلق بالمشيئة والاختيار وأن هذه الأفعال من صفاته وهو ما ينكره عامة الأشاعرة
أم أن كل هذا ليس من المعاني؟!!
إذًا لم جعلتموها من المعاني المنفية في عقيدتكم والتي يلزم من إثباتها وصف الله بالحدوث؟!!
ولابن رجب كلام آخر يأتي في التطبيق
ـ الحافظ الذهبي
قال رحمه الله في رسالته إثبات صفة اليد، بعد أن ذكر أكثر من خمسين حديث وأثر في إثبات الصفة ثم قال:
" والأحاديث في إثبات اليد كثيرة وهذه قطعه من أقوال الأئمة الأعلام وأركان الإسلام ... " إلى أن قال:
" ويقال أيضاً نعلم بالاضطرار أن الصحابة والتابعين ومن بعدهم قد كان فيهم الأعرابي والأمي والمرأة والصبي والعامة ونحوهم ممن لا يعرف التأويل وكانوا مع هذا يسمعون هذه الآيات والاحاديث في الصفات وحدث بها الأئمة من الصحابة والتابعين على رؤوس الأشهاد ولم يؤولوا منها صفة واحدة يوماً من الدهر وإنما تركوا العوام على فطرهم وفهمهم ... " أ. هـ
قال رحمه الله في العلو ج2 ص1337:
" هذا الذي علمت من مذهب السلف، والمراد بظاهرها أي لا باطن لألفاظ الكتاب والسنة غير ما وضعت له، كما قال مالك وغيره الاستواء معلوم، وكذلك القول في السمع والبصر والعلم والكلام والإرادة والوجه ونحو ذلك، هذه الأشياء معلومة فلا تحتاج إلى بيان وتفسير، لكن الكيف في جميعها مجهول عندنا " ا. هـ
وقال رحمه الله في كتابه "العلو" ص (532) عن الصفات
¥