قيل: بعده، وقبل أن يسويهن سبعَ سموات، كما قال جل ثناؤه: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا) [سورة فصلت: 11]. والاستواء كان بعد أن خلقها دُخانًا، وقبل أن يسوِّيَها سبعَ سموات " ا. هـ
وهذا إثبات صريح لمعنى الاختيار الذي اعتادت الأشاعرة نفيه
وقال ابن جرير عن صفة الإتيان:
" والصواب من القراءة في ذلك عندي:" هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظُللٍ من الغمام"، لخبر روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن من الغمام طاقات يأتي الله فيها محفوفًا، فدل بقوله"طاقات"، على أنها ظلل لا ظلال، لأن واحد"الظلل""ظلة" "
ثم ذكر في موطن آخر أثر عكرمة في مجيء الله في ظلل من الغمام فقال عكرمة: والملائكة حوله
فقال الإمام ابن جرير شارحا:
" وقول عكرمة هذا، وإن كان موافقًا قولَ من قال: إن قوله: في ظُلل من الغمام" من صلة فعل الرب تبارك وتعالى الذي قد تقدم ذكرناه، فإنه له مخالف في صفة الملائكة. وذلك أن الواجب من القراءة على تأويل قول عكرمة هذا في"الملائكة" الخفضُ، لأنه تأول الآية: هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام وفي الملائكة، لأنه زعم أن الله تعالى يأتي في ظلل من الغمام والملائكةُ حوله.
هذا إن كان وجَّه قوله:"والملائكة حوله"، إلى أنهم حول الغمام، وجعل"الهاء" في"حوله" من ذكر"الغمام". وإن كان وجَّه قوله:"والملائكة حوله" إلى أنهم حول الرب تبارك وتعالى، وجعل"الهاء" في"حوله" من ذكر الرب عز جل، فقوله نظيرُ قول الآخرين الذين قد ذكرنا قولهم، غيرُ مخالفهم في ذلك.
* * *
وقال آخرون: بل قوله:" في ظلل من الغمام" من صلة فعل"الملائكة"، وإنما تأتي الملائكة فيها، وأما الرب تعالى ذكره فإنه يأتي فيما شاء.
* ذكر من قال ذلك:
4037 - حدثت عن عمار بن الحسن، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله:" هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة" الآية، قال: ذلك يوم القيامة، تأتيهم الملائكة في ظلل من الغمام. قال: الملائكة يجيئون في ظلل من الغمام، والرب تعالى يجيء فيما شاء.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى التأويلين بالصواب في ذلك تأويل من وجَّه قوله:" في ظُلل من الغمام" إلى أنه من صلة فعل الرب عز وجل، وأن معناه: هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام، وتأتيهم الملائكة " ا. هـ
فهنا أثبت الإتيان في الظلل وجعله فعلا صريحا من الرب واعتبر أيضا خلال تفسيره لهذه الصفة أن الإتيان والمجيء واحد
وقال:
وأما قوله:"ولا يكلمهم الله"، فإنه يعني: ولا يكلمهم الله بما يسرُّهم ="ولا ينظر إليهم"، يقول: ولا يعطف عليهم بخير، مقتًا من الله لهم، كقول القائل لآخر:"انظُر إليّ نَظر الله إليك"، بمعنى: تعطف عليّ تعطّف الله عليك بخير ورحمة وكما يقال للرجل:"لا سمع الله لك دعاءَك"، يراد: لا استجاب الله لك، والله لا يخفى عليه خافية، وكما قال الشاعر:
دَعَوْتُ اللهَ حَتى خِفْتُ أَنْ لا ... يَكْونَ اللهُ يَسْمَعُ مَا أَقُولُ
ـ الإمام أبو القاسم عبد الله بن محمد البغوي
قال رحمه الله في شرح السنة "
" وقوله: " سبحات وجهه " أي: نور وجهه، ويقال: جلال
وجهه، ومنها قيل: " سبحان الله " إنما هو تعظيم له وتنزيه، وقول
سبحانك، أي: أنزهك يا رب من كل سوء " ا. هـ
وقال رحمه الله عن صفة الأَذَن:
" قوله: " ما أذن الله لشيء كأذنه " يعني: ما استمع لشيء كاستماعه، والله لا يشغله سمع عن سمع، يقال: أذنت للشيء آذن أذنا بفتح الذال: إذا سمعت له " ا. هـ
ـ الإمام أبو عبد الله مصعب بن عبد الله الزبيري
قال محمد بن الحسين الآجري رحمه الله:
" سمعت أبا عبد الله الزبيري رحمه الله - وقد سئل عن معنى هذا الحديث – [حديث آدم على صورة الرحمن] فذكر مثل ما قيل فيه، ثم قال أبو عبد الله: نؤمن بهذه الأخبار التي جاءت، كما جاءت، ونؤمن بها إيماناً، ولا نقول: كيف؟ ولكن ننتهي في ذلك إلى حيث انتهي بنا، فنقول في ذلك ما جاءت به الأخبار كما جاءت " ا. هـ
تأمل قوله (ننتهي ... حيث انتهي بنا) وتأمل قوله: " سئل عن معنى الحديث " والجواب بقوله: " فذكر مثل ما قيل فيه " فليس هناك تفويض يا قوم.
¥