فإنَّ هذا القول هو عين قول المعتزلة وهي الفرقة الضالة المخالفة لما كان عليه منهج أهل السنة والجماعة من سلف هذه الأمَّة الصالح رضي الله عنهم وأرضاهم، بل إنَّ من أصولهم الخمسة القول بالتوحيد، والتوحيد عندهم كما يفسره القاضي عبد الجبار المعتزلي بأنَّها نفي الصفات عن الله تعالى، ولهذا نجدهم يقولون بأنَّ الله تعالى سميع بلا سمع وبصير بلا بصر، وقدير بلا قدرة، ومريد بلا إرادة. تعالى الله عمَّا يقولون علوا كبيرا.
وليسأل صلاح أبو عرفة نفسه: هل الله تعالى عليم؟ فسيثبت حتماً أنَّ الله تعالى عليم.
فنسأله قائلين: هل تثبت لله تعالى صفة العلم؟
فإن أثبتها فقد أثبت صفة لله تعالى هي صفة العلم، وعليه فليثبت الصفات الأخرى التي تليق بالله تعالى، فإن القول في الصفات كالقول في الذات، والقول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر كما يقول علماء التوحيد، وعليه قرَّروا أصولهم في الرد على المعتزلة الذين ينفون عن الله تعالى الصفات، والرد على الأشاعرة والماتريدية الذين يثبتون لله تعالى الأسماء وبعض الصفات ولكنهم لا يثبتون بعض الصفات الأخرى.
وإن لم يثبت صلاح أبو عرفة صفة العلم فقد كفر بالله العظيم، لأنَّه نزع عن الله تعالى صفة من أعظم صفاته اللائقة به سبحانه وتعالى وهي صفة العلم، وأثبت له شاء أم أبى نقيضها وهي صفة الجهل، ولهذا لما أنكر القدرية الغلاة علم الله تعالى كفَّرهم أهل العلم كالإمام الشافعي وأحمد وغيرهما من أهل العلم، وقال فيهم الإمام الشافعي وأحمد: (ناظروا القدرية بالعلم؛ فإن أقروا به خصموا، وإن أنكروه كفروا) [36].
إنَّ في كتب المعتزلة أنَّ من كمال الإخلاص لله نفي الصفات عنه، وأنَّ إثبات الصفات لله هي عين ذاته حتَّى لا يستلزم منها الإثنيَّة [37]، وأنَّ القول بتعدد صفات الله كالقول بتعدد الأبعاض لله، تعالى الله عمَّا يقول الظالمون علوا كبيراً.
وهذا الكلام هراء وسخف، بل إنَّ من كمال التوحيد لله والإخلاص له توحيده تعالى بما أخبرنا به عزَّ وجل، فمحال أن يخبرنا الله تعالى عن صفات له كالعلو واليدين والحياة والسمع والبصر والكلام، ويكون كلامه تعالى غير واضح لنا وغير مفهوم، فيكون حالنا كحال أهل الكفر بالله حينما يقرؤون كتبهم وهي عليهم عمى، فلو لم يخبرنا الله تعالى في كتابه عن ذلك لما نطقنا عن الله تعالى بما ليس فيه.
ونقول كذلك إنَّ من الباطل القول بأنَّ إثبات الصفات لله هي عين ذاته، فإثبات الأسماء لله بدون أن تدل عليه تعالى من المعاني التي هي صفات كمالية له، جور وضلال وبهتان في حق الله، وهذا يلزم منه تعطيل ما لله تعالى من أوصاف الكمال والجلال، بل لله تعالى ذات تليق بجلاله، وله صفات تليق به تعالى، دون تحريف أو تعطيل أو تكييف أو تشبيه، فرب لا يرضى ولا يرحم ولا يحب ولا يتكلم وليس له شيء من الصفات التي أثبتها لنفسه، ليس برب في الحقيقة، ولهذا نجد إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام قد ناقش والده وقال له: (يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا) وهذا مما يدل على أنَّ الإله الذي كان يعبده آزر وقومه ليس بإله، ولا يستحق العبادة، ولهذا ذكر إبراهيم عليه السلام شيئا من أوصاف الربوبية اللائقة به عزَّ وجل.
ونرد كذلك على من زعم أن القول بأن تعدد صفات الله كالقول بتعدد الأبعاض لله وأنَّ ذلك يستلزم التركيب والله منزَّه عن التركيب، فالجواب عن هذه الشبهة الضلالية أن نقول: أليس المعتزلة الذين نفوا صفات الله وأثبتوا لله الأسماء، وكذلك أثبتوا أنَّه واجب الوجود وأنَّه موجود، ... إلى غير ذلك؟
أليست هذه صفات متعدد؟ أوليس يكون ذلك تركيباً في الله تعالى؟
فلماذا يبيحون لأنفسهم ذلك التركيب التوحيدي على حدِّ زعمهم ويسمون من أثبت له الصفات تركيبا وتشبيها؟!
ثمَّ إنَّا نقول لهذا الشخص ومن كان على شاكلته: (لقد قال تعالى: (سبحان ربك رب العزَّة عما يصفون* وسلام على المرسلين* والحمد لله رب العالمين) فهنا ذكر تعالى أنَّ أولئك الكفَّار وصفوا الله بما هو ليس بلائق له، أفلا يدل ذلكَّ بدلالة المفهوم أنَّ وصف المؤمنين له ـ عزَّ وجل ـ بما هو لائق به وثابت في كتابه أو بما صحَّ عن سنَّة رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم ـ محمود؟.
¥