تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثمَّ هنا نرى أنَّ الله تعالى عقَّب بعد قوله: (سبحان ربك رب العزَّة عما يصفون) وقال بعدها: (وسلام على المرسلين) دلَّ ذلك أنَّ المرسلين وصفوا الله تعالى بما يليق به سبحانه وبحمده.

قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: (وسلَّم على المرسلين؛ لسلامة ما قالوه من النقص والعيب) [38].

وقد وجدت الإمام ابن حجر رحمه الله قد نبَّه على ذلك فقال: (قال الله تعالى: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) قال بعد أن ذكر منها عدة أسماء في آخر سورة الحشر: (له الأسماء الحسنى) والأسماء المذكورة فيها بلغة العرب صفات ففي إثبات أسمائه إثبات صفاته؛ لأنه إذا ثبت أنه حي مثلا فقد وصف بصفة زائدة على الذات وهي صفة الحياة، ولولا ذلك لوجب الاقتصار على ما ينبئ عن وجود الذات فقط، وقد قاله سبحانه وتعالى: (سبحان ربك رب العزة عما يصفون) فنزه نفسه عما يصفونه به من صفة النقص، ومفهومه أن وصفه بصفة الكمال مشروع).

وقال الإمام ابن كثير رحمه الله: (ولما كان التسبيح يتضمن التنزيه والتبرئة من النقص بدلالة المطابقة، ويستلزم إثبات الكمال، كما أن الحمد يدل على إثبات صفات الكمال مطابقة، ويستلزم التنزيه من النقص - قرن بينهما في هذا الموضع، وفي مواضع كثيرة من القرآن؛ ولهذا قال: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ*وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}) [39]

لهذا نجد الإمام البخاري رحمه الله في كتاب التوحيد من (صحيحه) يبوِّبُ باباً فيقول: (باب: قول الله تعالى: {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}، {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون} {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ}، ومن حلف بعزة الله وصفاته).

وعليه فإنَّ هذا يكون من باب إضافة الموصوف إلى صفته، فلله تعالى صفات، وكل اسم لله تعالى يتضمَّن صفة من هذه الصفات اللائقة به عزَّ وجل.

وإني أسأل هذا الشخص: حينما تطلب من الله تعالى أن يرحمك لأمر نزل بك؟ هل تقول يا جبار يا ذا الانتقام ارحمني؟ أم تقول: يا رحمن ارحمني؟

فإن قلت: كلاهما سواء فأنت أجهل وأضلُّ من حمار أهلك!!

وإن قلت: بل أقول يا رحمن ارحمني.

فنقول لك: فأنت لحظت الصفة المشتقة من الاسم، وهذا ما يسمَّى بعلم الصرف، فهل علم الصرف عندك بدعة ومحدث في الدين؟!

...

وبالنسبة لما زعمه بأنَّ: (إثبات الصفات يعتبر شتيمة لله تعالى فمجرد أن تعبد الله بالصفات فقد شتمته كما زعم)

فالجواب عنه: أنَّ هذا الكلام لا يخرج من عاقل فضلاً عن متعلم، إذ إنَّ كل شخص لا يثبت هذه الصفات لله إلاَّ لأنَّه تعالى أثبتها لنفسه فهو تعالى الذي قال: (بل يداه مبسوطتان) وهو الذي قال: (ولما جاء موسى لميقاتنا وكلَّمه ربّه) وهو الذي قال: (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتَّى يسمع كلام الله) وهو تعالى القائل: (الرحمن على العرش استوى)، وهو القائل: (ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام).

ومن السنَّة قوله صلى الله عليه وسلم: (ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا) [40]، وقوله صلى الله عليه وسلم: (يضحك الله إلى رجلين قتل أحدهما الآخر ثم يدخلان الجنة) [41] وقوله صلى الله عليه وسلم: (ما منكم من أحد إلاَّ سيكلمه ربه وليس بينه وبينه ترجمان) [42].

فما جواب هذا الرجل عن هذه الآيات والأحاديث التي أوردناها، بل التي نتعبَّد الله تعالى بقراءتها وحفظها، وخصوصاً في كتاب الله تعالى الذي نتلوه في صلواتنا ونتعبَّد الله بقراءة هذه الآيات؟

فهل كل المسلمين يشتمون الله حينما يقرؤون ما أنزله الله عليهم لكي يقرؤوا هذا القرآن ويتعلَّموه؟!

وإذا اعتبر (أبو عرفة) أن المسلمين جميعًا قد أجمعوا على شتيمة الله عز وجل؛ قلنا له: إنما علمهم سبحانه هذا في كتابه وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم؛ والله لا يُعَلِّم خلقه الشتيمة لنفسه، مع العلم أنَّ شتم الله كفر بالله، فهل من عبد الله بالصفات كفر بالله؟!

...

وأما الجواب عن زعمه: (بأن من يثبت الصفات لله تعالى من العلماء، فهو كلب أو حمار؟).

فلقد ذكَّرني هذا الرجل القائل بهذا القول بأسلافه من المعتزلة الذين رموا أهل السنة والجماعة الذي أثبتوا الصفات لله تعالى بأنَّهم مجسِّمة وحشوية بل قالوا إنَّهم حمير!

نعم لقد قالها شيخهم الزمخشري ـ عفا الله عنا وعنه ـ:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير