وتجد منهم من يحاول التخلص من ذلك الإشكال ـ وهو تشريع النفاق وتسميته تقية ـ بأن هذا مشروع فقط لأجل الضرر، وهو أصل شرعي محكم ـ كما سنذكر الآن في الأدلة ـ، وهذا غلط، فإن التقية كما ذكرنا من كلام علمائهم ـ ومنهم الخميني ـ تشرع للحفظ من الضرر، وتشرع لمجرد التعمية وموافقة العامة والتودد إليهم، وتحبيبهم في التشيع، وهذا عين النفاق، بل لو لم يكن ذلك نفاقا، فلا نفاق على الأرض.
ومما يدل على أن التقية أعم من كونها ضررا، ما رواه الحر العاملي في وسائل الشيعة عن الصادق قال: "عليكم بالتقية فإنه ليس منا من لم يجعلها شعاره ودثاره مع من يأمنه لتكون سجية مع من يحذره" ().
ويقول الخميني: "ثم إنه لا يتوقف جواز هذه التقية بل وجوبها على الخوف على نفسه أو غيره بل الظاهر أو المصالح النوعية صارت سببا لإيجاب التقية من المخالفين فتجب التقية وكتمان السر لو كان مأمونا وغير خائف على نفسه" ().
ويقول أبو القاسم الخوئي: "وذلك لأن المستفاد من الأخبار الواردة في التقية إنما شرعت لأجل أن تختفي الشيعة عن المخالفين وألا يشتهروا بالتشيع أو الرفض ولأجل المداراة والمجاملة معهم ومن البين أن المكلف إذا أظهر مذهب الحنابلة عند الحنفي مثلا أو بالعكس حصل بذلك التخفي وعدم الاشتهار بالرفض والتشييع وتحققت المداراة والمجاملة معهم " ()
و سئل الخوئي: "ما المراد بالتقية في العبادات وهل يمكن اتصافها بالأحكام الخمسة، وهل هي في مورد احتمال خوف ضرر أم التجامل بالمظهر وعدم إلفات النظر؟
أجاب الخوئي: "أما في مورد احتمال الضرر بمخالفتها واجبة وفي الصلاة معهم ـ يقصد أهل السنة ـ فمستحبة مع عدم احتمال الضرر" ().
وأيضاً سئل كاظم الحائري:"ما هي حدود التقية المسوغة للعمل بها شرعاً وهل أن الأذى الكلامي وانتقاد المذهب والمضايقة من مسوغات العمل بالتقية؟
أجاب: "ينبغي للإنسان الشيعي أن يتعامل مع السني معاملة تؤدي إلى حسن ظنه بالشيعة لا إلى تنفره عن الشيعة" ().
ـ انتهاء التقية:
وينتهي العمل بالتقية في حالة خروج الإمام المنتظر ـ المهدي ـ كما أوردنا في بعض الروايات سابقا، ومن ذلك أيضا ما رواه العياشي والحر العاملي عن جعفر الصادق في تفسيره قوله عز وجل: (َفإِذَا جَاء وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً) [الكهف: 98]. قال: "رفع التقية عند الكشف فينتقم من أعداء الله" ().
و يروي الحر العاملي عن أبي عبد الله عليه الصلاة والسلام في حديث عن التقية قال: "من تركها قبل خروج قائمنا فليس منا" وكما يرويه الشعيري عن الصادق قال: "ومن ترك التقية قبل خروج قائمنا فليس منا" ().
فإذا خرج القائم تركت التقية، فروى الحر العاملي عن الحسن بن هارون قال: "كنت عند أبي عبد الله جالساً فسأله معلى بن خنيس أيسير الإمام القائم بخلاف سيرة علي قال: نعم وذلك أن عليا سار بالمن والكف لأنه علم أن شيعته سيظهر عليهم وإن القائم إذا قام سار فيهم بالسيف والسبي لأنه يعلم أن شيعته ?ن يظهر عليهم من بعده أبداً" ().
وفي الغيبة للنعماني عن أبي عبد الله قال: "إذا خرج القائم لم يكن بينه وبين العرب وقريش إلا السيف" ()، وأيضا عن أبي عبد الله قال: "ما بقى بيننا وبين العرب إلا الذبح وأومأ بيده إلى حلقه " ().
ويقول محمد صادق الصدر: "عن أبي جعفر قال: "إن الناس في هدنة نناكحهم ونوارثهم ونقيم عليهم الحدود ونؤدي أماناتهم حتى إذا قام القائم جاءت المزايلة" ويشرح معنى المزايلة فيقول: "هي المفارقة والمباينة بين أهل الحق وأهل الباطل" ().
التقية في الفقه الإمامي:
أ ـ الإشكالية:
وإشكالية احتمال أن يكون قول المعصوم صادرا عن التقية، من معضلات الاجتهاد الفقهي الإمامي.
ولذلك رووا غير رواية أن الصادق كان يفتي لأحدهم بفتوى، ولآخر بفتوى أخرى في المسألة، ولثالث بثالثة، ثم بين للمعترضين أنه إنما فعل ذلك كي يخالف بين الشيعة فلا يعرفوا.
واختلفوا في هل يجوز أن يفتي الإمام بقول ليس موجودا عند العامة لمحض المخالفة بين أصحابه، على قولين اختار يوسف البحراني منهما الجواز ().
ومن ثم فإن من أسباب الخلاف في الترجيح والاختيار احتمال كون النص مقولا على التقية.
¥