وقول أبي عبد الرحمن: «ولا يحل الجزم بأن القرآن خالق أو مخلوق، بل الواجب التوقُّف» صريح في أنه يذهب إلى وجوب التوقف في المسألتين في كون القرآن خالقاً، وفي كونه مخلوقاً، ومعنى ذلك أنه يجوز أن يكون القرآن خالقاً، ويجوز أن يكون مخلوقاً، وهذا باطل، بل الواجب الجزم بأن القرآن ليس بخالق، بل الله هو الخالق، والجزم بأن القرآن غير مخلوق؛ فإنه كلام الله، وكلامه سبحانه من صفاته، وليس شيء من صفاته مخلوقاً، ولهذا عُبِّر عن مذهب أهل السنة في القرآن بأنه كلام الله منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، وقد أجاب الأئمة -رحمهم الله-، كعلي بن الحسين وجعفر بن محمد وابن المبارك وابن مهدي حين سُئلوا عن القرآن، أجابوا بقولهم: إن القرآن ليس بخالق ولا مخلوق، كما نقله عنهم اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (ج:2 ص: 264 وما بعدها)، وذكر البيهقي في كتاب الاعتقاد (ص: 102) أن هذا «هو مذهب كافة أهل العلم قديماً وحديثاً، وذكر أسامي أئمتهم وكبرائهم الذين صرحوا بهذا، ورأوا استتابة من قال بخلافه» اهـ.
وقول أبي عبد الرحمن: «بل الواجب التوقُّف اتباعاً لتوقف السلف قبل الخلاف»، أقول فيه: غلط أبو عبد الرحمن - عفا الله عنه - في نسبة التوقف إلى السلف، ومن هم السلف إلا الصحابة والتابعون؟! ولو كان الأمر كما قال لكان الجازمون بأن القرآن كلام الله غير مخلوق قد ضلوا عن طريق السلف، وهذا ظاهر الفساد والبطلان، بل عبارة أبي عبد الرحمن تلك تقتضي ذلك، فإن الذين اختلفوا في القرآن ثلاث طوائف:
1 - أهل السنة الذين آمنوا بأن القرآن كلام الله غير مخلوق، وجزموا بذلك.
2 - الجهمية الذين جحدوا صفات الله، وجزموا بأن القرآن مخلوق.
3 - الواقفة الذين لا يجزمون بشيء.
وتقدم حكم الطائفتين عند أهل السنة، وعبارة أبي عبد الرحمن تقتضي أن الواقفة هم أتباع السلف، كما تقتضي أن قول الجهمية - وهو الجزم بأن القرآن مخلوق - هو من قبيل الخطأ في الاجتهاد، وكذلك عنده أن الجزم بأن القرآن غير مخلوق هو من قبيل الخطأ في الاجتهاد، ولا يخفى ما في هذا من التسوية بين مذهب أهل السنة ومذهب المعتزلة الجهمية في المصدر والحكم.
وبعد؛ فلا أجد لأبي عبد الرحمن عذراً في هذا الخطأ العظيم إلا اعترافه بضعف ذاكرته، وضعف قواه الفكرية.
لكن سبق له في تباريحه في المجلة العربية (العدد 300) قوله: «كلمات الله ها هنا (يشير إلى ما في الحديث: أعوذ بكلمات الله التامات ... ) كنايةٌ عن مشيئته وقدرته وعلمه وحكمته وتدبيره جل جلاله» اهـ، وهذا عدول بالكلمات عن الحقيقة إلى المجاز، وكلماته سبحانه الكونية والشرعية كلها من كلامه الذي هو عند أهل السنة كلام الله حقيقة، ويستدلون على ذلك بمثل قوله عز وجل: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً} وقوله سبحانه: {قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا}.
وهذه المقولة من أبي عبد الرحمن تدل على أن لديه تشوشاً قديماً في مفهوم كلام الله، وأنا أدعوه إلى الرجوع والمراجعة في الكتب المصنفة في مذهب أهل السنة والرد على الجهمية؛ مثل شرح أصول السنة للالكائي، والسنة لعبد الله بن أحمد، والسنة للخلال، والإيمان لابن مندة، وعقيدة أصحاب الحديث لأبي عثمان الصابوني، وغيرها كثير لا تخفى على مثل أبي عبد الرحمن، أسأل الله أن يفتح عليَّ وعلى أبي عبد الرحمن ويبصِّرنا بالحق، وأن يمتِّعه بقواه الفكرية والبدنية، وأن يحسن لنا وله الخاتمة، وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
عبد الرحمن بن ناصر البراك
ـ[أبو القاسم السلفي]ــــــــ[06 - 11 - 10, 06:03 ص]ـ
جزاكم الله خير
ـ[أبو غانم المروي]ــــــــ[06 - 11 - 10, 07:21 ص]ـ
رد جميل.
وفيه تلطف، والتماس للعذر، مع بيان الحق دون مواربة.
ـ[سلمان الحائلي]ــــــــ[06 - 11 - 10, 11:30 ص]ـ
اللهم أطل بعمر الشيخ العلامة عبدالرحمن البراك على طاعتك و أسأله سبحانه ان يرد الاستاذ الفاضل ابن عقيل الظاهري الى الصواب
ـ[أبوالشيخ]ــــــــ[07 - 11 - 10, 10:13 ص]ـ
جزى الله العلامة الشيخ عبدالرحمن البراك خير الجزاء
وعفى الله عن الاستاذ ابن عقيل ... والمؤمل التنبه ممن يحضر مجالس ابن عقيل ألا تعلق في قلبه شبهة وفق الله الجميع
ـ[عبدالله المُجَمّعِي]ــــــــ[08 - 11 - 10, 01:31 م]ـ
جزاك الله أخي أخي الفاضل عبدالله ووقانا الله وكل مسلم الفتن ما ظهر منها وما بطن.
رفع الله قدر العلّامة عبدالرحمن البراك ونفع الله به وجعله منارة هدى لكل ضال إنه ولي ذلك والقادر عليه ..
بالمناسبة كتب الشيخ الفاضل د. عبدالعزيز آل عبداللطليف مقال ممتاز حول المسألة فأجاد وأفاد
ذكر ذلك في مجلة البيان عدد شوال لعام 1431هـ
بعنوان [لِمَ كان القول بخلَق القرآن كفراً؟] وقد اضفتها بتاريخ 19 - 10 - 10, 01:07
تفضلوا جميعاً http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=225100
فقد ذكر الشيخ حفظه مذهب السلف في المسألة، وذكر أمور لا تحصل لطالب علم مرة أخرى. فليتفضل طلبة العلم بزيارة الرابط.
¥