تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أما تكفير المعين إذا قال الكفر أو فعله؛ فقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بعد حكايته أقوال أهل السنة في تكفير الجهمية: ( .. وسبب هذا التنازع تعارض الأدلة فإنهم يرون أدلة توجب إلحاق أحكام الكفر بهم ثم إنهم يرون من الأعيان الذين قالوا تلك المقالات من قام به من الإيمان ما يمتنع أن يكون كافراً؛ فيتعارض عندهم الدليلان، وحقيقة الأمر أنهم أصابهم في ألفاظ العموم في كلام الأئمة ما أصاب الأولين في ألفاظ العموم في نصوص الشارع؛ كلما رأوهم قالوا: من قال كذا فهو كافر اعتقد المستمع أن هذا اللفظ شامل لكل من قاله، ولم يتدبروا أن التكفير له شروط وموانع، قد تنتفي في حق المعين، وأن تكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعين؛ إلا إذا وُجِدت الشروط وانتفت الموانع؛ يبين هذا أن الإمام أحمد وعامة الأئمة الذين أطلقوا هذه العمومات لم يكفروا أكثر من تكلم بهذا الكلام بعينه؛ فإن الإمام أحمد مثلاً قد باشر الجهمية الذين دعوه إلى خلق القرآن .. [وذكر دعوتهم للكفر وإكراههم للناس عليه ثم قال]: ومعلوم أن هذا من أغلظ التجهم؛ فإن الدعاء إلى المقالة أعظم من قولها، وإثابة قائلها وعقوبة تاركها أعظم من مجرد الدعاء إليها، والعقوبة بالقتل لقائلها أعظم من العقوبة بالضرب، ثم إن الإمام أحمد دعا للخليفة وغيره ممن ضربه وحبسه، واستغفر لهم وحللهم مما فعلوه به من الظلم والدعاء إلى القول الذي هو كفر، ولو كانوا مرتدين عن الإسلام لم يجز الاستغفار لهم؛ فإن الاستغفار للكفار لا يجوز بالكتاب والسنة والاجماع، وهذه الأقوال والأعمال منه ومن غيره من الأئمة صريحة في أنهم لم يكفروا المعينين من الجهمية الذين كانوا يقولون: القرآن مخلوق، وأن الله لا يُرى في الآخرة، وقد نُقل عن أحمد ما يدل على أنه كفَّر به قوما معينين، فإما أن يُذكر عنه في المسألة روايتان ففيه نظر، أو يحمل الأمر على التفصيل؛ فيقال: من كُفِّر بعينه فلقيام الدليل على أنه وجدت فيه شروط التكفير، وانتفت موانعه، ومن لم يكفره بعينه فلانتفاء ذلك في حقه، هذا مع إطلاق قوله بالتكفير على سبيل العموم).

وهذا ظاهر في هدي النبي صلى الله عليه وسلم وطريقة أصحابه؛ فرغم وجود بل كثرة من قال الكفر أو فعله إلا في عهده إلا إنه لم تُجر عليهم أحكام الكفر ظاهراً؛ فأخذها المرجئة ولبراليو العصر ليقولوا: إنه لا أحكام للردة في الإسلام، وأخذها من نظر إلى العمومات بأنها تنطبق على كل قائل للكفر أو فاعل له، وأيضاً لكل منتسب إلى ملة الكفر من أهل القبلة. وأهل الحق قالوا أخذوا بالعمومات وبالهدي العملي له صلى الله عليه وسلم فقالوا بتحقق الردة والخروج من الملة بشروط ذلك.

أما تكفير المنتسب إلى ملة تقول الكفر أو تفعله من أهل القبلة بمجرد انتسابه إلى هذه الملة فيرى كثيرون أن هذا ظلم تأباه أصول الشريعة؛ لأن مقتضى هذا العدل أن نبقى على اليقين وهو إقرارهم ظاهرا بالشهادتين، وأن لا يؤاخذ المرء إلا بما أظهره هو مما يخالفها من قول أو فعل، ومن أمثلة ذلك ملة الرفض التي يُعلم بالضرورة أن المقالات التي يقولونها والعقائد التي ينتحلونها شرك أكبر في توحيد الربوبية والإلهية، وكفر أكبر في الأسماء والصفات، ولكن بعض المخالطين لهم في الدوائر الحكومية والشركات يأخذون الحكم بالعموم؛ ليكون حكماً لكل منتسب إلى ملة الرفض؛ بل يجرون أحكام الكفر بمجرد اسم الشخص أو عائلته أو بلدته.

وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (3/ 352و353) في شرح حديث الافتراق أصلين في تكفير الفرق؛ فقال: (أحدهما: أن يعلم أن الكافر في نفس الأمر من أهل الصلاة لا يكون إلا منافقًا؛ فإن الله منذ بعث محمدًا r وأنزل عليه القرآن، وهاجر إلى المدينة صار الناس ثلاثة أصناف: مؤمن به، وكافر به مظهرٌ الكفر، ومنافق مُسْتَخْفٍ بالكفر. ولهذا ذكر الله هذه الأصناف الثلاثة في أول سورة البقرة، وذكر أربع آيات في نعت المؤمنين، وآيتين في الكفار، وبضع عشر آية في المنافقين).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير