وقال ابن القيم ?رحمه الله?: «وبالجملة: فمن له معرفة بالشرك وأسبابه وذرائعه، وفهم عن الرسول صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم مقاصده، جزم جزمًا لا يحتمل النقيض أنَّ هذه المبالغة منه باللعن والنهي بصيغتيه: صيغة: «لا تفعلوا»، وصيغة: «إني أنهاكم»، ليس لأجل النجاسة، بل هو لأجل نجاسة الشرك اللاحقة بمن عصاه، وارتكب ما عنه نهاه، واتبع هواه، ولم يخش ربه ومولاه، وقلَّ نصيبه أو عدم عن تحقيق شهادة أن لا إله إلاَّ الله، فإنَّ هذا وأمثاله من النبي صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم صيانة لحمى التوحيد أن يلحقه شرك ويغشاه، وتجريد له وغضب لربه أن يعدل به سواه» (31 - «إغاثة اللهفان» لابن القيم: (1/ 189) (**********: AppendPopup(this,'pjdefOutline_31'))).
- أمَّا قول البيضاوي: «ألا ترى أنَّ مدفن إسماعيل في المسجد الحرام ثمَّ الحطيم؟».
• فجوابه من جهة عدم التسليم بصحة الدعوى أولاً، ثمَّ من جهة التسليم ?جدلاً? بصحَّتها ثانيًا على ما يأتي:
الجهة الأولى: إنَّ دعوى وجود قبر إسماعيل عليه السلام أو غيره من الأنبياء الكرام مدفونين في المسجد الحرام تحتاج إلى نقلٍ صحيحٍ مؤيّدٍ يصح الاستدلال به، وهو مفتقر إليه لعدم ثبوت أي خبر مرفوع في الدواوين المعروفة، قال الألباني ?رحمه الله?: «وذلك من أعظم علامات كون الحديث ضعيفًا بل موضوعًا عند بعض المحقِّقين، وغاية ما روي في ذلك آثار معضلات، بأسانيد واهيات موقوفات، أخرجها الأزرقي في «أخبار مكة»، فلا يلتفت إليها وإن ساقها بعض المبتدعة مساق المسلمات» (32 - «تحذير الساجد» للألباني: (109 - 110) (**********: AppendPopup(this,'pjdefOutline_32'))).
الجهة الثانية: وعلى فرض بصحة الآثار ووجود قبور الأنبياء الكرام فإن العبرة في هذه المسألة بالقبور المشرفة والمرتفعة بأن يبنى عليها أو تشرف بكبر الأعلام التي توضع عليها وهي «النصب» أو «النصائب» أو تشرف بالتلوين أو برفع تراب القبر عما حوله فيكون بيِّنًا ظاهرًا كما هو حال الأضرحة والقباب؛ لأنّ القبور المشرفة يزداد الغلو فيها وتقع مفاسد الشركيات والوثنيات عندها وقد جاء في صحيح مسلم عن أبي الهيَّاج قال: قال لي عليٌّ: «أَلاَ أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنْ لاَ تَدَعَ صُورَةً إِلاَّ طَمَسْتَهَا، وَلاَ قَبْرًا مُشْرِفًا إِلاَّ سَوَّيْتَهُ» (33 - أخرجه مسلم كتاب «الجنائز»: (1/ 429) رقم: (969)، وأحمد: (1/ 96)، من حديث علي رضي الله عنه (**********: AppendPopup(this,'pjdefOutline_33'))).
وعليه فلا يصح الاستدلال بهذه الآثار على جواز اتخاذ المساجد على القبور –ولو كانت حقيقية? لاندراسها وخفائها وعدم ظهورها، إذ المعلوم ضرورة أن الأرض كلها مقبرة الأحياء كما قال تعالى: ?أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا، أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا? [المرسلات: 25، 26]، وإذا افترقت الصورتان في معنى الظهور والبروز والإشراف فلا مجال للتسوية بينهما أو نفي الفارق عنهما.
وقد ورد هذا المعنى في جواب علي القاري ?رحمه الله? على من ذكر أن صورة قبر إسماعيل عليه السلام في الحجر تحت الميزاب، وأن في الحطيم بين الحجر الأسود وزمزم قبر سبعين نبيًّا حيث قال: «وفيه أنّ صورة قبر إسماعيل عليه السلام وغيره مندرسة فلا يصلح الاستدلال» (34 - «مرقاة المفاتيح» للقاري: (2/ 416) (**********: AppendPopup(this,'pjdefOutline_34'))).
- وأمَّا قوله: «ثمَّ إنَّ ذلك المسجد أفضل مكان يتحرَّى المصلي لصلاته».
فجوابه أنه: من الخطإ البيِّن الاعتقاد أنَّ فضيلة المسجد الحرام عن سائر المساجد إنما طرأت بدفن إسماعيل عليه السلام، ولو مع فرض التسليم بصحة الآثار الواردة بدفنه فيه فلم يثبت أي دليل يُفصح عن حدوث فضيلته بالطروء، ولم ينقل ذلك أحد من السلف، بل فضيلة المسجد الحرام مرتبطة به وأصيلة فيه، ومؤكدة منذ أن رفع إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام القواعد من البيت كما في قوله تعالى: ?وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ? [البقرة: 127]، وقوله تعالى: ?وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ
¥