قلت: فقد رواه ابن سعد في «الطبقات الكبرى» قال: «أخبرنا محمَّد بن عمر، أخبرنا إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة عن داود بن الحُصين عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «لما فرغ من جهاز رسول الله صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم يوم الثلاثاء وُضع على سرير في بيته، وكان المسلمون قد اختلفوا في دفنه فقال قائل: ندفنه في مسجده، وقال قائل: بل ندفنه مع أصحابه بالبقيع، قال أبو بكر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «مَا مَاتَ نَبِيٌّ إِلاَّ دُفِنَ حَيْثُ يُقْبَضُ»، فرفع فراش النبي صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم الذي توفي عليه ثم حفر له تحته» (18 - «الطبقات الكبرى» لابن سعد: (1/ 552). (**********: AppendPopup(this,'pjdefOutline_18'))).
وسند هذا الحديث ضعيف جدًّا، وإبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة ضعيف وعنده مناكير (19 - انظر: «ميزان الاعتدال» للذهبي: (1/ 19)، و «تقريب التهذيب» لابن حجر: (1/ 31). (**********: AppendPopup(this,'pjdefOutline_19')))، وداود بن الحُصين ثقة إلا في عكرمة ورمي برأي الخوارج كما صرح ابن حجر في «التقريب» (20 - «تقريب التهذيب» لابن حجر: (1/ 231). (**********: AppendPopup(this,'pjdefOutline_20')))، ومحمَّد بن عمر بن واقد الأسلمي هو الواقدي متروك الحديث، فلا يصلح هذا الطريق لا في المتابعات ولا في الشواهد.
ولا يشفع لحال الواقدي إسناده الآخر الذي ذكره الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية»: «قال الواقدي حدثنا عبد الحميد بن جعفر عن عثمان بن محمَّد الأخنسي عن عبد الرحمن بن سعيد قال: لما توفي النبي صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم اختلفوا في موضع قبره، قال قائل: في البقيع، فقد كان يكثر الاستغفار لهم، وقال قائل: عند قبره، وقال قائل، في مُصلاَّه، فجاء أبو بكر فقال: إن عندي من هذا خبرًا وعلمًا، سمعت رسول الله صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم يقول: «مَا قُبِضَ نَبِيٌّ إِلاَّ دُفِنَ حَيْثُ تُوُفِّيَ» (21 - «البداية والنهاية» لابن كثير: (5/ 267). (**********: AppendPopup(this,'pjdefOutline_21'))).
وهذا الحديث مرسل، وعبد الرحمن بن سعيد بن يربوع المخزومي لم يدرك أبا بكر، وفيه الواقدي ?كما ترى?.
وأمَّا طريق ابن هشام بن عروة فليس فيه ذكر لمحلِّ الشاهد.
هذا، والناظر في مجموع طرق الحديث يدرك أنَّ الطريق الأول وإن كان ضعيفًا من جهة الإرسال وليس فيه تهمة في صدق الراوي وديانته إلاَّ أنَّ الطرق الأخرى لا تخلو من ذلك, فإنَّ طريق عكرمة عن ابن عباس فيه حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس تركه أحمد وله أشياء منكرة، وقال النسائي: متروك، وتركه البخاري، وقال: يقال إنه متهم بالزندقة (22 - «تهذيب التهذيب» لابن حجر (2/ 341 - 342). (**********: AppendPopup(this,'pjdefOutline_22'))).
أمَّا الطريق الثالث ففيه إبراهيم بن أبي حبيبة ضعيف له مناكير، وفيه الواقدي متروك الحديث، وكذا الطرق الأخرى.
وعليه، فلا يتقوى الحديث بكثرة طرقه مهما تعدَّدت؛ لأنها ناشئة من تهمة في صدق الرواة ودينهم، وإنما يرتقي ويتقوَّى بكثرة الطرق إذا كان ضعف رواته في مختلف الطرق ناشئًا من جهة سوء حفظهم كما نبَّه إليه أهلُ الحديث.
هذا، وعلى فرض صحة الأثر فإنَّ قول القائل: «ندفنه في مسجده» أو «عند المنبر» معارض بحديث عائشة رضي الله عنها قالت: «لما نزل برسول الله صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم طفق يطرح خميصةً له على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها فقال: وهو كذلك: لَعْنَةُ اللهِ عَلَى اليَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ. يحذر ما صنعوا، ولولا ذلك أُبْرِزَ قبرُه، غير أنه خشي أن يتخذ مسجدًا» (23 - أخرجه البخاري (3/ 628) كتاب «الجنائز»، باب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ومسلم (1/ 239)، كتاب «المساجد ومواضع الصلاة» رقم: (529). (**********: AppendPopup(this,'pjdefOutline_23'))).
¥