تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والمرادُ أنه لولا تحذير النبي صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم ما صنعوا ولعن مَن يفعل ذلك لدفن خارج بيته، غير أنه خَشِي [أي النبي صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم] أن يُتخذ قبرُه مسجدًا على رواية الفتح، أمَّا «خُشِيَ» على رواية الضم فهي خشية واقعة من الصحابة رضي الله عنهم، ولا تعارضها روايةُ عائشة رضي الله عنها: «غير أني أخشى»؛ لأنَّ إخبار وقوع الخشية من فرد لا ينافي وقوعها في مجموع الأفراد.

ومن جهة أخرى: يجوز أن يشير أحدُهم بأن يدفن في بيته ?قطعًا لذريعة الشرك? وليس في ذهنه إلاَّ تلك الخشية، وبعضهم يشير إلى الرأي نفسه ومعه علم بأن النبي صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم قال: «مَا قُبِضَ نَبِيٌّ إِلاَّ دُفِنَ حَيْثُ قُبِضَ»، كما يجوز على بعضهم أن لا يتفطن إلى هذا المعنى لغلبة معنى آخر في الرأي فيشير إلى دفنه بالبقيع لعلة أنه كان كثيرًا ما يستغفر لهم فيدفن مع أصحابه، أو يشير بعضهم إلى أنَّ دفنه في مسجده أو عند منبره لعلة موضع خطابته وصلاته وإمامته بالناس مع غياب المعنى الأول، وهو ?بلا شك? قول موقوف على اجتهاد صحابي لم يعينه الحديث مع احتمال أنه لم يبلغه التحريم، وخاصة أن أحاديث التحريم كانت قريبة العهد بوفاته صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم، ولا يلزم من سكوت الصحابة رضي الله عنهم في ذلك الوقت سكوتهم في أي وقت وإقرارهم على مبلغ اجتهاده، فهم أعلم بذلك الظرف ومناسبته لمقام الإنكار فيه من عدمه، علمًا بأنَّ جمهور الصحابة رضي الله عنهم قد بيَّنوا الحكمَ بيانًا يسقط وجوب الإنكار فيما نقلوا من أحاديثَ مرفوعةٍ ومتواترة وصريحة في تحريم بناء المساجد على القبور، وهي نصٌّ في المسألة. ويؤيِّد قيام الإنكار من النبيِّ صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم ما روى ابن سعد بسند صحيح عن الحسن (وهو البصري) قال: «ائتمروا (24 - أي: تشاوروا. انظر: «النهاية» لابن الأثير (1/ 66). (**********: AppendPopup(this,'pjdefOutline_24'))) أن يدفنوه صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم في المسجد فقالت عائشة رضي الله عنها: إنَّ رسول الله صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم كان واضعًا رأسه في حجري إذ قال: «قَاتَلَ اللهُ أَقْوَامًا اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ»، واجتمع رأيهم أن يدفنوه حيث قبض في بيت عائشة (25 - «الطبقات الكبرى» لابن سعد (1/ 516). (**********: AppendPopup(this,'pjdefOutline_25'))).

- وفي قوله ?هداه الله?: «وبتأمُّلنا إلى دفنه صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم في ذلك المكان، نجد أنه صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم قبض في حجرة السيدة عائشة رضي الله عنها…».

فجوابه من وجوه:

• الوجه الأول: أنَّ النبي صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم لم يدفن في مسجده، إذ المسجد بناه صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم في حياته، وإنما دفن حيث قبض في أحد بيوته صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم، وهي حجرة عائشة رضي الله عنها التي كانت بجوار المسجد وخارجة عنه، يفصل بينهما جدار فيه باب، وإنما دفنه الصحابة رضي الله عنهم في ذلك المكان عملاً بمقتضى الحديث، وحتى لا يتركوا مجالاً لمن بعدهم أن يتخذ قبره عيدًا ومسجدًا.

• الوجه الثاني: أن توسيع مسجده صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم في عهد خلافة عمر بن الخطاب ثمَّ في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنهما لم يُدخِلاَ القبر فيه، وإنما تَمَّ توسيعهما للمسجد من الجهات الأخرى دون تعرُّض للحجرة الشريفة عملاً بمقتضى الأحاديث الناهية عن اتخاذ القبور مساجد، وإنما أدخلت الحجرة النبوية في المسجد في أواخر القرن الأول في عهد خلافة الوليد بن عبد الملك الذي أمر بهدم المسجد النبوي وإضافة حُجُرِ أزواج رسول الله صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم إليه، وذلك سنة ثمان وثمانين من الهجرة (88ه)، كما صرَّح بذلك الطبري (26 - «تاريخ الطبري» (5/ 222 - 223). (**********: AppendPopup(this,'pjdefOutline_26'))) وابن كثير (27 - «البداية والنهاية» لابن كثير: (9/ 74 - 75). (**********: AppendPopup(this,'pjdefOutline_27')))، وعليه يتجلَّى بوضوح أنَّ إدخال الحجرة الشريفة في المسجد ليس ممَّا أجازه الصحابة رضي الله عنهم، ولا أجمعوا عليه كما يَدَّعي ?هداه الله? إذ لم يكن ?آنذاك بالمدينة النبوية? أحدٌ من الصحابة على قيد الحياة، وكان آخرهم موتًا جابر بن عبد الله رضي الله عنهما

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير