[كائنات مملكة النحو الجميلة .....]
ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[12 - 08 - 05, 12:18 ص]ـ
هل صح أن عالم النحاة خشن جاف ..... كما يدعون؟
كلاَ!!!
لو تأملوا لغة النحاة حق التامل للمسوا ظاهرة غريبة انفرد بها أهل النحو ... متميزين بها عن أسلوب غيرهم من أهل الصناعات .... كالفقهاء والحكماء وأرباب المعقول ...
فلغة النحو أمعن في الشاعرية من غيرها ..... بل تكاد تتاخم عوالم الأسطورة:
فمادة النحاة تتحول إلى كائنات بشرية تتحرك داخل مملكة إنسانية .... مملكة يصبح الحرف فيها أبعد ما يكون من مقولة الصوت وأقرب ما يكون إلى الكيان الآدمي ...
أنظر مثلا إلى هذه "التجمعات" العائلية:
"أخوات" كان ....
"أخوات" إن ....
"أخوات"ظن ....
ثم لاحظ تلك اللمسات الأنثوية ..... فكأن النحوي مصر على الطابع الشاعري من خلال تأنيث عالمه .. ليس ل"كان" إلا أخوات إناث .... وشقيقات" إن" كلهن من بنات حواء .. (قطعا ..... فلو كان بينهن ذكر واحد لطبقت قاعدة التغليب لا محالة ... )
ثم إن رأس العائلة أنثى أيضا: فللأخوات" أم " وليس لهن" أب" .... ألم تسمعوا النحاة يتحدثون عن" أمّ" الباب .... فالهمزة" أمّ " الاستفهام ... و"يا" أم باب النداء ... وما خطر ببالهم أبدا أن يتحدثوا عن "أب" الباب!! ...
والآن تذوقوا هذه القطعة ل"الشاعر" الأشموني شارح الألفية .... ولعمري إنه شرح بالشعر للنظم:
قال –رحمه الله-مفسرا امتناع دخول "هل" على اسم مع وجود فعل في حيزها:
"التقدير: هل قام زيد قام؟ وذلك لأنها إذا لم تر الفعل في حيزها تسلت عنه ذاهلة؛ وإن رأته في حيزها حنت إليه لسابق الألفة فلم ترض حينئذ إلا بمعانقته".
كيف يمكن تصور "هل" بعد هذا؟ حرفان:حنجري وذلاقي؟ .... اللهم لا ... بل هي امر أة من مملكة النحو ... لها قصة عجيبة أشبه بقصص الف ليلة وليلة ... كانت في ما مضى عاشقة ثم وقع لها ما وقع لشقيقاتها "عفراء" و"ليلى" و"عزة" من فراق ..... ثم تسلت بحسب قانون الزمان ... أو الأحرى "ذهلت" عن خليلها ... ثم هاهو يظهر فجأة بحسب قانون السرد والقصة .... فتستيقظ الذكريات في نفسها ..... وتنشد قول ابي تمام:
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى ******ما الحب إلا للحبيب الأول.
وتهجر كل ما جاورها" فلم ترض حينئذ إلا بمعانقته"-غفر الله لك يا أشموني!! -
ويبدو أن "الصبان" استهوته القصة العاطفية فزاد في العود نغمة ... وقال في حاشيته بصدد كلمة (ذاهلة) "أي غافلة عنه تركاًَ له في مقابلة تركه لها"!!!
لست أدري هل كانت الأغنية الشعبية المصرية"اللي نسيك انساه" فاشية في زمن الصبان فأدخلها فى النحو ... أم أنه ابتدرها وأدخلها المغني الشعبي في الغناء ....
الحقيقة أن "رقة" الأشموني تظهر فى أكثر من مكان في شرحه. فبعد صفحة واحدة من قصة "هل":
"ولما كانت أنواع الفعل ثلاثة: مضارع وماض وأمر أخذ في تمييز كل منها عن أخويه مبتدئا بالمضارع لشرفه بمضارعته الاسم."
انني لألمس فى عبارة" أخويه"شحنة عاطفية ورقة تكشف عن مدى رغبة النحوي فى انشاء عالم من الذوات لا من الحروف .... ويمعن الأشموني في التعامل مع كائناته كما يتعامل مع أبنائه .. يقول عن (الجر بالفتحة نيابة عن الكسرة ما لا ينصرف):
( ................ فامتنع الجر بالكسرة لمنع التنوين لتآخيهما فى اختصاصهما بالاسماء ولتعاقبهما على معنى واحد في باب" راقود خلا"و"راقود خل",فلما منعوه الكسرة عوضوه منها الفتحة ..... )
الأشموني عادل بين أبنائه ..... فماأن وقع الظلم على أحدهم (منعوه الكسرة) حتى بادر النحوي إلى "مسح" دموع ابنه ف (عوضوه منها الفتحة) ....
الحقيقة عالم النحو ليس مقتصرا على العاطفة .... بل هو عالم الشغل بامتياز ....
فما أشبهه بمملكة النمل:
هناك عاملون ...
ونائبون ....
ومن يعمل مرتين ..
ومن كف عن العمل.
و متنازعون فى الاشتغال ..
كما يحدث بالضبط في عالم الناس ......
وعالم النحو يعتريه أيضا ما يعتري الناس من آفات ....... ففيه السالم والمعتل .... والتام والناقص .....
كل هذا ويقولون: النحو خشن جاف ...... !!!
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[07 - 02 - 06, 07:11 م]ـ
يبدو أن من يزعم أن النحو جاف أصابته ظُرُوفٌ خاصة، وأَحْوَالٌ عجيبة، فارْتَفَعَ لسانه بالنقص في النحو وأهله، وانْصَرَفَ مِقْوَلُه لتَصْغِيرِ شأنهم، واخْتَصَّ جنانه بتَكْسِيرِ ما وَصَلُوهُ من أَعْمِدَتِهِمْ.
وما درى أن هذا يَجُرُّ عليه كثيرا من العِلَلِ، فقد انبرى له أخونا أبو عبد المعز بالاعتناء الزَّائِدِ، فجعله يَخْفِضُ صوته ويَكْسِرُ حدته ويَرْفَعُ راية الاستسلام.
فلسان حاله يقول: الاِشْتِغَالُ بعيوبي أولى، والنَّاقِصُ واجبه أن يَلْزَمَ شَرْطَهَ، وأن يَسْكُنَ في جَوَابِهِ، والعَطْفُ أولى من التَّنَازُعِ، والوَقْفُ عند الْحَدِّ أفضل من التَّنَادِي للرد.
فإن من كانت أَفْعَالُهُ نَاقِصَةً ينبغي أن يدله تَمْيِيزُهُ على تَرْكِ الْمَمْنُوعِ، والاِنْصِرَافِ إلى تَأْكِيدِ الْمَعْرِفَةِ، ونَصْبِ عَلَمِ التَّسْلِيمِ.
فيجب عليه أن يكون مَقْصُورًا على حُرُوفِ اعْتِلاَلِهِ، لئلا يقال: نَكِرَةٌ ألجأته الضَّرُورَةُ إلى مآله.
¥