[مقال بديع بعنوان (اللغة الأم لغة الاشتقاق) للدكتور مساعد الطيار (منقول)]
ـ[أبو المعتز القرشي]ــــــــ[10 - 10 - 05, 08:46 م]ـ
هذا مقال بديع بعنوان (اللغة الأم لغة الاشتقاق) للدكتور مساعد الطيار نفع الله به وجعل ذلك في موازين حسناته:
==================================
اللغة الأم لغة اشتقاق
لا يخفى على الباحث في أصل اللغات الخلاف بين العلماء هل هي بتوقيف أو هي بالمواضعة والاجتهاد؟ ولقد ذهب كل فريق من العلماء إلى رأيٍّ أيَّده بدلائل نقلية أو عقلية.والذي يظهر لي أن أصلها بتوقيف من الله، ثم إنها يدخلها المواضعة بين البشر.
أما التوقيف فدليله أن آدم أبا البشر كان في السماء يخاطب ربَّه، ويخاطب ملائكته، ويخاطب زوجه بكلام قد ألهمه الله إياه، كما يشير إليه قوله تعالى: (وعلَّم آدم الأسماء كلها)، إذ لا يمكن أن يكون ذلك إلا بأن يعبِّر عن هذه الأسماء بكلام يُفهم عنه، وهذا الكلام المركَّب من حروف إنما أُلهمه في أول الأمر.
وفي السنة النبوية ما يشير إلى هذا أيضًا، فقد ورد في الحديث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لما خلق الله آدم ونفخ فيه الروح عطس فقال: الحمد لله، فحمد الله بإذن الله، فقال له ربه: يرحمك ربك. يا آدم، اذهب إلى أولئك الملائكة ـ إلى ملأ منهم جلوس ـ فسلِّم عليهم، فقال: السلام عليكم فقالوا: وعليكم السلام ورحمة الله، ثم رجع إلى ربه فقال: هذه تحيتك وتحية بنيك بينهم) رواه الترمذي وابن حبان وغيرهما بسند صحيح.
فهذا يدل على الإلهام لأول الكلام، إذ لا يعقل وجود حيين متقابلين بدون أن تكون بينهما لغة للتفاهم فيما بينهم؛ أيًّا كانت هذه اللغة التي يتفاهمون بها.
وإذا كان أصل اللغة إلهامًا فلا يعني هذا أن البشر لا يوَلِّدون كلامًا، ويفتعلون مصطلحات، بل الأمر كذلك من التوليد في اللغة التي يتكلمون بها.
واللغة فيها ما يُولَد وفيها ما يموت وفيها ما يُبعث بعد موته أو تناسيه، ولكل من هذه أسبابه التي يتسبب عنها.
فاختلاف البيئة ـ مثلاً ـ سبب في نشوء بعض الأسماء، فليس ما يُستخدم في بادية نجد كالذي يستخدم في حاضرتها، ولا الذي يستخدم في بادية نجد وحاضرتها كالذي يستخدم في جنوب الجزيرة أو شمالها أو شرقها أوغربها، فالبيئة لها أثر في إحداث الأسماء وتوليد بعض المعاني، وصرف بعض الدلالات إلى معنى خاص بها عند القوم يخالفهم فيها غيرهم، وهذا أمر ظاهر بالموازنة بين كلام القبائل ودلالاته.
واندثار بعض الآلات التي كانت تُستخدم سبب في موت بعض الأسماء، وهذا ما تشهده اليوم من موت أسماء كانت تُستعمل، فتُركت بسبب ترك الناس لتلك الآلات التي كانوا يستخدمونها. وقد تموت في منطقة وتبقى في منطقة، بل قد تموت في الجزيرة العربية وتبقى في شمالها. وكل هذا وغيره مما يحدث للغة إنما يقوم على التتبع والاستقراء للألفاظ التي يستخدمها الناس في كلامهم. أما اللغة الأم فكيف يمكن لها البقاء والاستمرار؟
وجواب هذا السؤال أن (لاشتقاق) هو أكبر عنصر في بقاء اللغة الأم التي تحدث بها أبونا آدم لما خلقه الله سبحانه، ثم نزل بها إلى الأرض لما نزل، وتكلم بها هو وبنوه من بعده.
واللغة العربية التي نزل بها القرآن وهي حاضرة بين يدي عرب الجزيرة تشهد أنها متولدة عن هذه اللغة الأم (لغة الاشتقاق) فالأحرف الثماني والعشرين الأصلية، وما عداها من الحروف الفرعية تشهد بثراء اللغة العربية من جهتين:
ـ عدد الحروف الذي يتولد عنه عدد من المعاني لا تكاد تُحصر، ففي العربية أحرف لا تكاد توجد في لغة من لغات العالم؛ كالحاء، الذال، الصاد، الضاد، الطاء، الظاء، وانظر كم من الكلمات التي تتولد في دخول هذه الأحرف في تركيب الكلمة.
ـ نماذج متكاثرة ومتناثرة من الصوتيات التي كان يؤديها العرب؛ كإشمام الكسرة الضمةَ في مثل (قِيل، غِيض)، والإمالة في مثل (والضحى) ... الخ من الأمور الصوتية التي يطول الحديث عنها.
ولا يبعد أن تكون هذه الصوتيات تولدة شيئًا فشيئًا حتى صارت إلى ما آلت إليه، واندثر منها ما اندثر بفعل عوامل عديدة.
ولأسوق لك مثالاً يتبين لك به ذلك:
¥