تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يَسْتَوي الرَّفْعُ والنَّصْبُ عِنْدَ أَبي الحَسَن بنِ الباذِش في الاسْمِ المَشْغُولِ عَنْه إذا وَلِيَ أَحَدَ حُرُوفِ النَّفْيِ (مَا،لا، إِنْ)،نَحْوَ قولِ الشَّاعِرِ:

فَلا حَسَباً فَخَرْتَ بِهِ لِتَيْمٍٍ وَلا جَدّاً إِذا ازْدَحَمَ الجُدُودُ ([242])

وقد رُوِيَ البَيْتُ بالوَجْهَيْن، ونَحْوَ قولِكَ: (مَا زَيْدٌ ضَرَبْتَه)، والعِلَّةُ في ذلكَ أَنَّ هذِه الحُرُوفِ تَدْخُلُ عَلى الأسْمَاءِ والأفْعَالِ، أَمَّا غَيْرُها مِنْ أَحْرُفِ النَّفْيِ المُخْتَصَّةِ بِدُخُولِها عَلى الأفْعَالِ نَحْوَ: (لمْ،لَمّا، لنْ) فَلا يَجُوزُ فيها إلاّ النَّصْبُ لاخْتِصَاصِها بالأفْعَالِ ([243]).

وتَابَعَ أَبا الحَسَن بنَ الباذِش في هذا الرَّأيِ ابنُ أبي الرَّبِيعِ ([244]) وابنُ خَروف،ونَسَبَ هذا الرَّأيَ لسِيْبَوَيْه،قالَ ([245]): " وهو الظَّاهرُ مِنْ كَلامِ سِيْبَوَيْه"، واعْتَلَّ بأَنَّ المَوْضِعَ لا يَخْتَصُّ بالفِعْلِ دونَ الاسْمِ ([246]).

وهُناكَ رَأيانِ آخَرَانِ في هذِه المَسْأَلَةِ، فظَاهِرُ كَلامِ سِيْبَوَيْه تَرْجِيحُ الرَّفْعِ مَعْ جَوازِ النَّصْبِ ([247])، وتَابَعَه في هذا الرَّأيِ ابنُ طَاهِرٍ ([248])، ويَرَى كَثيرٌ مِنْ النُّحَاةِ أَنَّ النَّصْبَ أَرْجَحَ مِنْ الرَّفْعِ، وهو اخْتِيَارُ ابنِ مَالِكٍ ([249]) وابنِ الحَاجِبِ ([250]) والرَّضِيِّ ([251]) والخَوارِزْمي ([252]) والوَرَّاقِ ([253]) والنِّيليِّ ([254])،وهو مَذْهَبُ الجُمْهورِ كَمَا ذَكَرَ أبو حَيَّانَ ([255])، والعِلَّةُ في هذا الاخْتِيارِ أَنَّ النَّفْيَ أَوْلى بالفِعْلِ.

وأَرَى أَنَّ مَا اعْتَلَّ بِهِ الجُمْهُورُ تَعْليلٌ عَامٌّ يَشْملُ جَمِيعَ حُرُوفِ النَّفْيِ،والنَّفْيُ بابٌ واسِعٌ، فمِنْ حُرُوفِه مَا يَدْخُلُ عَلى الأفْعَالِ، ومِنْه مَا يَخْتَصُّ بالأسْمَاءِ، ومِنْها مَا يَدْخُلُ عَلى الأسْمَاءِ والأفْعَالِ عَلى السَّواءِ، فلا يَجُوزُ أَنْ يُعَامَلَ كُلُّ النَّفْيِ مُعَامَلَةً وَاحِدَةً، ولِذا أَرَى أَنَّ رَأيَ ابنِ الباذِش أَدَقُّ مِنْ غَيْرِه مِنْ الآراءِ، وبِهِ جَاءَ السَّمَاعُ.

المشغول عنه بعد الاستفهام

يَبْدو لِي أَنَّ السّيوطِي قد خَلَطَ بَيْنَ الاسْتِفْهامِ والنَّفْيِ في نِسْبَةِ اسْتِواءِ الرَّفْعِ والنَّصْبِ بعد النفي لابنِ الباذِش، فقد نَسَبَ إليه في الهَمْعِ اسْتِواءَ الأمْرَيْن بَعْدَ الاسْتِفْهَام نَحْوَ: (أَ زَيْداً ضَرَبْتَه) ([256])، ولمْ يَذْكُر رَأْيَهُ في النَّفيِ، ولمْ أَجِدْ هذا الرَّأيَ مَنْسُوباً لَهُ عِنْدَ غَيْرِ السّيوطي.

(جُمَع) و (كُتَع) وغيرها من ألفاظ التوكيد أعلام

يَكادُ النُّحَاةُ يُجْمِعون عَلى كَوْنِ (أَجْمَعَ) وأخَواتِه و (جُمَع) وأخَواتِه مِنْ أَلْفاظِ التَّوْكِيدِ مَعَارِفَ، ولمْ يَخْرُجْ عَنْ هذا الإجْمَاعِ إلاّ ابنُ الحاجِبِ ومَنْ تَبِعَه حَيْثُ ذَهَبَ إلى أَنَّ (جُمَع) مُنِعَ مِنْ الصَّرْفِ لعِلَّتَيْن هُما العَدْلُ والوَصْفُ الأصْليُّ ([257]).

واخْتَلَفُوا في تَعْريفِه، فرَأى الخليلُ أنَّ (جُمَع) و (أَجْمَع) وأَخَواتِهِمَا تُعَامَلُ مُعَامَلَةَ (نَفسِه) و (عَيْنِه) المَعْرِفَتَيْن بالإضَافَةِ، قالَ سِيْبَوَيْه ([258]): " وسَأَلتُه عَنْ (جُمَع) و (كُتَع)، فقالَ: هُمَا مَعْرِفةٌ بمَنْزِلَةِ (كُلِّهِم)، وهُمَا مَعْدولَتانِ جَمْعُ (جَمْعَاءَ) وجَمْعُ (كَتْعَاءَ) "، فهو تَعْرِيفٌ إِضَافِيٌّ عِنْدَ الخَليلِ، وتَابَعَه جَمَاعَةٌ مِنْ النُّحَاةِ.

ونُسِبَ لأبي الحَسَن بنِ الباذِش أَنَّ هذِه الألفَاظَ مَعَارِفُ بالعَلَمِيَّةِ ([259])، وقد أَسْعَفَنا أبُو حَيَّانَ فيمَا نَقَلَهُ مِنْ شَرْحِ الجُمَلِ لابنِ الباذِش بِرَأيِ عَالِمِنا في هذِه المَسْأَلَةِ، قالَ ابنُ الباذِش ([260]): " وأَسْمَاءُ التَّوْكيدِ التي للإحَاطِةِ أَعْلامُ التَّوْكِيدِ المَعَارِفِ، فهي تَنْزِلُ مَنْزِلَةَ سَائِرِ الأعْلامِ "، ثُمَّ يُبَيِّنُ لنا أَنَّ هذِه الألْفَاظَ أَعْلامٌ مُشْتَقَّةٌ في حَالِ العَلَمِيَّةِ غَيْرِ مَنْقولةٍ، ثُمَّ يَقولُ: "هذا قَوْلُ سِيْبَوَيْه وكَافَّةِ أَصْحَابِه".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير