تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

هذه هي آراءُ النُّحَاةِ في هذه المَسْأَلَةِ،وهي -كَمَا يُلاحَظُ - كَثيرةٌ، وكُلُّها آراءٌ مُحْتَمِلَةٌ للصَّوابِ،وأَخُصُّ مِنْ هذه الآراءِ رَأيُ صَاحِبِ التَّخْميرِ، فالمَعْنى يُرْشِدُ إلى الحَالِ، فقولُكَ: (جَاءَ البَرْدُ والطَّيَالِسَةَ) مَعْناهُ:جَاءَ البَرْدُ مَقْرُوناً مَعْ الطَّيَالِسَةِ، كَمَا أَنَّ الحَالَ جَاءَتْ في القُرآنِ الكَريمَ في مَعْنى المَفْعُولِ مَعَه، وذلك قَوْلُه تَعالى: " فَمَا لَهُمْ عَنْ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِين " {المدثر 49} فالمَعْنى: مَا لَهُم والإعْراضِ عَنْ التَّذْكِرَةِ،ومَعْ كَثْرَةِ الإشاراتِ التي تَدُلُّ عَلى صِحَّةِ رَأْيِهِ إلاّ أنَّ المَنْطِقَ الُّلغويَّ يَرْفُضُهُ؛ فالقَوْلُ بأَنَّ الواوَ واوُ الحَالِ يَسْتَدْعِي أنْ يَكُونَ بَعْدَها جُمْلةٌ اسْمِيَّةٌ صَدْرُها مُبْتدأ مَرْفُوعٌ، والظاهَرُ أَمَامَنا أَنَّ مَا بَعْدَها مَنْصُوبٌ، ولذلكَ أَرى أَنَّ أَقْوى الآراءِ وأَقْرَبَها إلى الصَّوابِ مَا ذَهَبَ إليه الفَارِسِيُّ مِنْ جَوازِ عَمَلِ المَعْنى مُضَافاً إلى عَمَل الفِعْلِ بِتَوَسُّطِ الواوِ.

عامل النصب في المُسْتَثْنى

للنُّحاةِ في هذه المَسْأَلَةِ آراء كَثيرَةٌ ([286])،ففي ناصبِ المُسْتَثْنى ثمانِيَةُ آراءٍ،نُسِبَ أَرْبَعَةٌ مِنْها لِسِيْبَوَيْه،وقد كانَ لِعَبارَةِ سِيْبَوَيْه مُتَعَدِّدَةِ الوُجُوهِ دَوْرٌ رَئيسٌ في هذا الخِلافِ وتَعَدُّدِ الآراءِ، وكَانَ أبُو الحَسَنِ بنُ الباذِش أَحَدَ العُلَماءِ الذين حَاوَلوا فهمَ عِبارَةِ سِيْبَوَيْه وأَمْعَنوا النَّظَرَ فيها.

أمّا الآراءُ التي نُسِبَت إلى سِيْبَوَيْه وفُهِمَت مِنْ عِبارَتِه فأَوُّلُها: النَّصْبُ عَنْ تَمَامِ الكَلامِ،وهو اخْتِيارُ ابنِ عُصْفُور ([287])،وهذا يُفْهَمُ من قَوْلِ سِيْبَوَيْه ([288]): "عَامِلاً فيه ما قَبْلَه كَما تَعْمَلُ عِشْرونَ فيما بَعْدَها إذا قُلْتَ: عِشْرونَ دِرْهَما " فعَامِلُ النَّصْبِ في التَّمْييزِ عندَه هو (عِشْرونَ)؛ لأنَّ الدِّرْهَمَ مِنْ تَتِمَّتِه، وقد شَبَّه سِيْبَوَيْه انْتِصَابَ التَّمْييزِ في هذا المَوْضِعِ بالمَنْصوبِ في قولِك: (هو أَحْسَنُ مِنْك وَجْهاً)،فالوَجْهُ مِنْ تَتِمَّةِ (أَحْسَنَ) كَما أَنَّ الدِّرْهَمَ كَذلِك ([289])،وإذا كانَ الدِّرْهَمُ يَنْتَصِبُ بِهذا الشَّكْلِ فالمُسْتَثْنى كذلك.

وثانيها: ما ذَهَبَ إليه ابنُ خَرُوف، قالَ في شَرْحِ الجُمَلِ ([290]): " والعَامِل في الاسْمِ المَنْصُوبِ في الصَّحِيحِ مِنْ الأقْوالِ وهو قولُ سِيْبَوَيْه الفِعْلُ الأوَّلُ "،وهذا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ سِيْبَوَيْه ([291]): " عامِلاً فيهِ ما قَبْلَه " وأَبْرَزُ العَوامِلِ المَوْجُودَةِ قَبْلَه هو الفِعْلُ.

وثالثها: اخْتِيارُ ابنِ مَالك ([292])،فالعَامِلُ عندَه هو (إلاّ)، ونَسَبَه في شَرْحِ التسْهيلِ لسِيْبَوَيْه والمُبَرّدِ والجُرْجانيِّ،ويُمْكِنُ أنْ يُفْهَمَ هذا مِنْ عِبارَةِ سِيْبَوَيْه السَّابِقَةِ، واحْتَجَّ ابنُ مالك بأَنَّ (إلاّ) مُخْتَصَّةٌ بِدُخولِها على الاسْمِ ولَيْسَت جُزءاً منه، فعَمِلَت فيه كـ (إن) ولا التَّبْرِئَةِ.

ورابعها: اخْتِيارُ ابنِ الباذِش ([293])، والعَامِل عنْدَه هو الفِعْلُ المُتَقَدِّمُ بواسِطةِ (إلاّ)، وهو الرأيُ الذي أَخَذَ بِه الجُمْهورُ، ونُسِبَ إلى سِيْبَوَيْه ([294]) والسِّيْرَافِيِّ والفَارِسِيِّ وابنِ بابْشَاذ وابنِ الضَّائِعِ والرُّنْديِّ وغيرِهم مِنْ النُّحَاة ([295])، واسْتَدَلَّ النُّحَاةُ على ذلك بِعِدَّةِ أُمُورٍ مِنْها ([296]): 1ـ القِياسُ عَلى المَفْعُول مَعَه، فالنَّاصِبُ لَه الفِعْلُ بِتَقْوِيَةِ الواوِ. 2ـ التَّشْبِيهُ بالمَفْعُولِ، فقد جَاءَ المُسْتَثْنى بَعْدَ تَمَامِ الكَلامِ كَمَا يَأتِي المَفْعُولُ بَعْدَ تَمَامِ الكَلامِ. 3ـ العَمَلُ بالأصَالةِ للأفْعَالِ، فإذا وُجِدَ الفِعْلُ كانَ العَمَلُ مُضَافاً إليه، وها هُنا وُجِدَ الفِعْلُ أو ما يُشَابِهُهُ، ولكنَّهُ لمَّا كانَ لا يَتَعَدَّى قُوِّيَ بإلاّ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير