تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ورَدَّ ابنُ خَروف هذا التَعْلِيلَ بأنّه يَلزَمُهُم ألاّ يُبْدَلَ أَحَدُهُما مِنْ الآخَرِ بَدَلَ الشيءِ مِنْ الشَّيءِ وهما لشيءٍ واحِدٍ؛ مِنْ حيثُ لا يَكُونُ الواحِدُ جَمْعاً،ولا فَرْقَ في هذا بينَ النَّعْتِ والبدَلِ ([341]).

وهناكَ مِنْ العُلماءِ مَنْ أَجَازَ مَا مَنَعه غَيْرُهم،فالأخفشُ أَجَازَ وَصْفَ النَّكِرَةِ بالمَعْرِفَةِ عندَ تَخْصِيصِها مُسْتَدِلاً بقولِه تعالى:" فَآخَرانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنْ الَّذينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهم الأوَّلِيَّانِ " {المائدة 107} فـ (الأوَّلِيَّانِ) صِفَةٌ لـ (آخَرانِ) ([342])،وجَوّزَ بَعْضُهم العكسَ مُطْلقاً،وذَهَبَ ابنُ الطّرَاوَةِ إلى جوازِ وَصْفِ المَعْرِفَةِ بالنّكِرَةِ إذا كَانَ الوَصْفُ خاصاً بالمَوْصوفِ ([343]).

وأَرَى أَنَّ أَمْرَ مَنْعِ وَصْفِ النَّكِرَةِ بالمَعْرِفَةِ والعكس لا يَتَعلّقُ بِكَونِ النَّكِرَةِ تدلُّ على جِنْسٍ، والمَعْرِفةُ تَدُلُّ عَلى مُفْرَدٍ،فالطّبيعَةُ العامَّةُ للنَّكِرَةِ والمَعْرِفَةِ لا عَلاقةَ لها بعِلّةِ المَنْعِ؛ بدَليلِ أَنَّ كَثيراً مِنْ النُّحاةِ قد أَجَازَ ذلكَ،كمَا أنَّ تعميمَ المَنْعِ غيرُ دَقيقٍ، فمَتى صارَتْ النَّكِرَةُ بمَنْزِلَةِ المَعْرِفَةِ وكانَ نَعْتُها بالمَعْرِفَةِ يُخَصِّصُها نُعِتَتْ، والعكس جائِزٌ، والذي أَراهُ أَنَّ الأمْرَ يَتَعَلَّقُ بطَبِيعَةِ المَعْرِفةِ والنَّكِرَةِ المَوْصُوفَةِ في النصِّ، ومَا يَدُلُّ على ذلك جَوازُ وَصْفِ النَّكِرَةِ المُخصّصة عندَ بَعْضِهم.

أَمَّا إِذا أَرَدْنا أَنْ نَذْهَبَ إلى الأصولِ فهي تَدُلُّ عَلى صِحَّةِ بَعْضِ مَا ذَهَبَ إليه الرّبْعي وابنُ الباذِش،فالأصولُ النَّحْويَّةُ تقولُ: إنّ الأصْلَ في المَعَارِفِ ألاّ تُوصَفَ مُطلقاً؛ لأنَّها مَوْضُوعَةٌ عَلى التَّخْصيصِ،لكنَّ طَبيعَةَ وَضْعِها ككَلِمَةٍ مَوْصُوفَةٍ جَعَلها تَحْتَاجُ إلى الصِّفَةِ،وهذه الطَّبيعَةُ هي أَنَّ هذِه المَعْرِفَةَ المُخَصَّصَةَ صَارَتْ تَحْتَاجُ إلى تَخْصِيصٍ جديدٍ،فأَشْبَهَتْ النَّكرةَ مِنْ هذا الوَجْه، فوُصِفَتْ بمَعْرِفةٍ، والأصْلُ في النَّكِرَةِ أَنْ تُوصَفَ لِكَونِها غيرَ مُخَصّصةٍ،والمَقصودُ مِنْ هذا الكَلامِ أَنَّ المَعْرِفةَ لا تُوصَفُ إلا لإزالةِ عَارِضٍ أَثَّرَ على تَخْصِيصِها السابقِ،أو تَنْعَتُها ثانياً وثالثاً لِتُؤكِّدَ تَخْصيصها، والنَّكِرةُ لا تُزيلُ العَارِضَ المَوجودَ، فلمْ تَنْعَتْ بها المَعْرِفَةَ، فقولك: (زيدٌ المُجتهدُ غائبٌ) مَيّزْتَ بالمُجتهدِ زيداً عن غيرِه من الزُّيودِ، فأَزَلْتَ الاشْتِراكَ،وإذا أَخَذْنا برَأْيِ الفارِسِيِّ وهو أنَّ المَوْصوفَ هو الصِّفَةُ في المَعْنى لقلنا: إنّ زيدأ هو المُجتهدُ،والمُجْتهدُ هو زيدٌ،وهذا غيرُ دقيقٍ،ويَرِدُ عليه بالإضَافَةِ إلى رَدّ ابنِ خَروفٍ أنّه لو كَانَ كَذلكَ لَمَا كانَ مِنْ الصِّفَةِ فائِدَةٌ، فهما واحدٌ،ولَمَا حَدَثَ تَبيينٌ وتَخْصيصٌ، وقد تحدث النحاة كثيرأ عن الخصوص والعموم بين النعت والمنعوت،فالأصل في "النعت أن يكون تعرِيفُهُ أنقصَ تعريفاً مِنْ المنعوت، ولا يجوز أن تنعت الاسم بالأخصّ " ([344]) ولِهذا كُلّه أَرى أَنَّ مَا ذَهَبَ إليه الرّبْعيُ وابنُ الباذِشِ صواباً، وهو رَأيُ جُمْلةٍ مِنْ النُّحَاةِ، مِنْهُم الوَرّاقُ ([345]) وابنُ خَروفٍ ([346]) والقَوّاسُ ([347]).

العلة الرافعة للاسم

استعملَ النُّحَاة للدَّلالَةِ على عَمَلِ الفِعْل في الفاعلِ عباراتٍ عِدَّةً، فابنُ السَّرّاجِ يَسْتعملُ مُصْطلحَ (البناءِ)،ويَرى أنَّ الفاعِلَ مَبْنيٌّ على الفِعْل، وأنّ هذا البناءَ هو العلَّةُ الرافِعَةُ للفاعِلِ،ويُوَضِّحُ ابنُ السَّرّاجِ مُرَادَه بهذه العِلَّةِ فيَقولُ ([348]): " ومَعْنى قَوْلي: بَنَيْتُه على الفِعْل الذي بُنِي للفاعِلِ، أيْ: ذَكَرْتُ الفِعْل قبلَ الاسمِ؛ لأنّك لو أتيتَ بالفِعْل بعدَ الاسمِ لارتفَعَ الاسمُ بالابتداء " فظاهرُ عبارَتِهِ يَدُلُّ على أنّ الرفعَ في الفاعِلِ حَصَلَ من الفِعْل لكَوْنِه قد أتى بعده، ويَدُلُّ كلامُه عَلى أنّه ليسَ للمَعْنى دورٌ في الرَّفْعِ، فالبناءُ عندَه تركيبُ ألفاظٍ مُرَتَّبَةٍ بطريقةٍ مُعيَّنةٍ، فإذا

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير