لم ينل عنترة حريته عطاء يسيراً، وإنما بشق الأنفس وبذل الجهد وتقديم التضحيات و دخوله المعركة وإجبار أهله حتى اعترفوا به ويكفي هذا عنترة فخراً فلقد حقق فيه إحدى أعظم غاياته وأمنياته دون تملق لأحد أو استجداء وإنما بهمة البطل وقوة الساعد وخير خبر نورده في حريته ما أورده ابن الكلبي وابن قتيبة ((وكان سبب ادعاء أبو عنترة إيي أن بعض أحياء العرب أغاروا على قوم من بني عبس فأصابوا منهم فتبعهم العبسيون فلحقوهم فقاتلوهم، وعنترة فيهم فقال أبوه: كر يا عنترة فقال عنترة: العبد لا يحسن الكر إنما يحسن الحلاب والصر فقال له: كر وأنت حر فكر وهو يقول:
أسوده وأحمره كل امرىء يحمي حره
والواردات مشفره
فقاتل يومئذ فأبلى واستنقذ ما كان بأيدي عدوهم فادعاه أبوه بعد ذلك و ألحق به نسبه)) (1).
2 - فروسيته:
أخذ عنترة نفسه بفنون القتال وتمرس عليها وقد أورثه هذا التمرس خبرة استخدمها في حروبه مع أعدائه وأكسبته شهرة عظيمة وجعلت منه فارساً مرموقاً يتحدث عنه وتضرب بشجاعته الأمثال. والأخبار عن فروسيته وشجاعته كثيرة ولكن تلتقي بمجملها في نقطة واحدة وهي أن هذه الفروسية لم تكن عبثاً عند عنترة، وإنما هي نتيجة الخبرة الطويلة التي اكتسبها في القتال والتي أكسبته شهرة. ((قيل لعنترة أنت أشجع الناس وأشدها قال: لا قيل: فيم شاع لك هذا في الناس قال: كنت أقدم إذا رأيت الأقدام عزماً وأحجم إذا رأيت الإحجام حزماً ولا أدخل موضعاً لا أرى لي فيه مخرجاً وكنت اعتمد الضعيف الجبان فأضربه ضربةً هائلة يطير لها قلب الشجاع فأثني عليه فأقتله)) (2)
وقد بلغ من شهرة عنترة في الفروسية أن هابته الفرسان و الأبطال وحسبت له حساباً وخافت على نفوسها منه وهل أدل على ذلك من قول الفارس الشجاع عمرو بن معد يكرب ((ما أبالي من لقيت فرسان العرب ما لم يلقني حراها وهجيناها)) (3).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
(1) أورد رواية ابن الكلبي صاحب الأغاني بسند فيه ابن قتيبة 7/ 142، الشعر والشعراء ص149، الخزانة 1/ 62.
(2) الأغاني 7/ 144.
(3) الأغاني 7/ 145، الخزانة 1/ 473، مقامات الحريري 1/ 151، ويقصد بالحر عامر بن الطفيل وعتبة بن الحارث ويقصد بالهجينين عنترة والسليك
والفروسية عند عنترة كثيرة الجوانب والمظاهر فهو لا يضع فروسيته وشجاعته دائماً في خدمة قبيلته بل قد يجعلها في خدمة غيرها.
وقبل أن نغادر فروسية عنترة نذكر أفراسه لما لها صلة بوجود عنترة فارساً وبطلاً وأول أفراسه الأبجر من خيل غطفان بن سعد وثاني أفراسه الأدهم وثالث أفراسه الأغر.
ويتصور أن لعنترة أفراساً أكثر عدداً ذلك أن المعارك التي خاضها، والحياة الطويلة التي عمرها، تقتضي منه أن يملك أفراساً كثيرة (1) يقول عنترة:
لا تعجلي اشدد حزام الأبجر إني إذا الموت دنا لم أضجر (2)
ويقول أيضاً: (الكامل)
يدعون عنتر والرماح كأنها أشطان بئر في لبان الأدهم (3)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
(1)،المعاني الكبير 1/ 84، أنساب الخيل ص 69، أسماء الخيل وفرسانها ص42.
(2) أسماء الخيل وفرسانها ص 42
(3) شرح القصائد العشر التبريزي ص 309، أسماء الخيل وفرسانها ص 42
الفصل الثالث: ديوان عنترة
تمدنا المكتبة العربية بعدة دواوين لعنترة منها مطبوع ومنها ما يزال مخطوطاً ومنها ما هو مشروح أم معلق عليه ومنها ما هو متن فحسب.
1 - عدد القصائد:
عدد القصائد المنسوبة إلى عنترة 146 قصيدة وتضم 1769 بيتاً والديوان مطبوع وله عدة طبعات فمنها:
فمنها القصيدة المذهبة (1) (المعلقة) التي يذكر فيها قتل معاوية بن نزال (2) التي مطلعها (الكامل):
هل غادر الشعراء من متردم أم هل عرفت الدار بعد توهم (3)
ومنها قصيدة يذكر فيها يوم الفروق (4) وقال في ذلك (الطول):
ألا قاتل الله الطّلول البواليا وقاتل ذكراك السنين الخواليا
ونحن منعنا بالفروق نساءنا نطرّف عنها مشعلات غواشيا (5)
ومنها في يوم عراعر (6) قال فيه عنترة (الطويل)
ألا هل أتاها أن يوم عراعر شفى سقماً لو كانت النفس تشتفى (7)
ومنها قصيدة يرثي بها مالك بن زهير العبسي (الطويل)
¥