تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن الدوافع والأسباب التي حملتني على اختيار موضوع كهذا أمور:

1 - الوقوف على صحة دعوى اتهام المالكية بمخالفة الحديث لا لشيء إلا لأجل المخالفة وإبطال السنن!!! كما اشتهر على ألسنة بعض العلماء وكثير من العوام.

2 - تخصيص عموم كلمة الشافعي المشهورة: "إذا صح الحديث فهو مذهبي" والتي كانت وراء تهور البعض في الأخذ بظاهر الحديث والإنكار على تارك العمل به، وكان سببا لإنكار المذهبية بل والطعن في أئمة المذاهب وأعيانها، وأن تكون الدراسة التحليلية مثالا على خطأ فهم كلام الشافعي على ظاهره كما يشير إليه ويوضحه كلام بعض العلماء الذين جمعوا بين الفقه والحديث ولم يتأثروا بالرأي الظاهري.

قال ابن الصلاح رحمه الله كما نقله عنه النووي في "المجموع": "ليس العمل بظاهر ما قاله الشافعي بالهين، فليس كل فقيه يسوغ له أن يستقل بالعمل بما يراه حجة من الحديث، وفيمن سلك هذا المسلك من الشافعيين من عمل بحديث تركه الشافعي رحمه الله عمدا مع علمه بصحته، لمانع اطلع عليه وخفي على غيره، كأبي الوليد موسى بن الجارود ممن صحب الشافعي قال: صح حديث "أفطر الحاجم والمحجوم " فأقول: قال الشافعي: أفطر الحاجم والمحجوم، فردوا ذلك على أبي الوليد، لأن الشافعي تركه مع علمه بصحته، لكونه منسوخا عنده، وبين الشافعي نسخه واستدل عليه .... "

وقال النووي أيضا: "هذا الذي قاله الشافعي ليس معناه أن كل أحد رأى حديثا صحيحا قال: هذا مذهب الشافعي وعمل بظاهره، هذا فيمن له رتبة الاجتهاد في المذهب ... وشرطه أن يغلب على ظنه أن الشافعي رحمه الله لم يقف على هذا الحديث أو لم يعلم صحته، وهذا إنما يكون بعد مطالعة كتب الشافعي كلها ونحوها من كتب أصحابه الآخذين عنه وما أشبهها، وهذا شرط صعب قل من يتصف به.

وإنما اشترطوا ما ذكرنا لأن الشافعي رحمه الله ترك العمل بظاهر أحاديث كثيرة رآها وعلمها، لكن قام الدليل عنده على طعن فيها أو نسخها أو تخصيصها أو تأويلها أو نحو ذلك".اهـ

وهذا الذي قاله محقق مذهب الشافعي في كلمة إمامه، هو الذي فهمه محققوا مذهب المالكية، وهو ظاهر تصرفهم في أحكامهم وفتاواهم ومناهجهم.

قال القرافي: "وكثير من فقهاء الشافعية يعتمدون على هذا، ويقولون: مذهب الشافعي كذا لأن الحديث صح فيه وهو غلط لأنه لا بد من انتفاء المعارض، والعلم بعدم المعارض يتوقف على من له أهلية استقراء الشريعة حتى يحسن أن يقال لا معارض لهذا الحديث أما استقراء غير المجتهد المطلق فلا عبرة به ... "

3 - ومن الأسباب الدافعة للمشاركة في هذا العمل اعتقادي أنه أضحى من الضروري - للحكم على رأي في المذهب - التمييز في نسبة ذلك الرأي ما بين إن كان قائله من أهل التحقيق المعتمدين أو من صنف المتعصبة الجامدين، كالمتأخرين من المالكية الذين ساقهم الغلو في التعصب إلى جعل الإمام أصلا للحكم الشرعي لا موصلا إليه. كما لو وقفنا على مخالفة صريحة لسنة صحيحة، وصرح الإمام مالك بعدم اطلاعه عليها أو عدم وقوفه على دليلها ثم يطلع عليها الفقيه المالكي فيتركها تقليدا لمن لو عرفها لما تأخر في العمل بها، كمسألة التسبيح في الركوع والسجود الذي غابت عن الإمام مالك أحاديث ثبوته عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فالحجة ليست على مالك المعذور بعدم اطلاعه عليها، لكنها قائمة على من وقف عليها وتركها تقليدا لا تحقيقا.

أهداف البحث:

فتتجلى الأهداف العامة التي نسعى لتحقيقها في هذا العمل في الآتي:

الجواب عن الاستشكالات التي كانت باعثا للخوض في هذا البحث والتي ذكرت بعضها في دوافع الموضوع. كبيان أن الأئمة عموما ومالك خصوصا لا يقصدون مخالفة صريحة للسنة، وإنما يكون عنده مدرك جلي أو خفي جعله يرى خلاف الخبر الذي طريقه الآحاد، أو أنه رتب دليلا آخر عليه. وكالتدليل على أن الشافعي وغيره ممن قالوا "إذا صح الحديث فهو مذهبي" إنما قصدوا به إذال صح للعمل به، وكنفث نفَس جديد لدى المالكية أو الحاكمين عليهم في تمييز القول بين ما إذا كان مصدره محققا من محققي المذهب أو جامدا متعصبا لا يستقيم أن يحكم عليه به.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير