تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثم أقمت بعد ذلك احتفالا بمناسبة مرور 1400 سنة على فتح طرابلس الإسلامي الأول، على يد الصحابي سفيان بن مجيب الأزدي رضي الله عنه، وقبل أن يفتح طرابلس بنى حصنا مشرفا على المدينة ثم حُوِّل الحصن على يد الفرنجة إلى قلعة كبيرة. ومن المؤسف أن وزارات الإعلام والثقافة والسياحة والكتب التي تُدَرَّسُ في المدارس بلبنان، وحتى أساتذة الجامعات ووسائل الإعلام، تنسب بناء هذا الحصن إلى القائد الصليبي الفرنسي (ريموند دي تولوز)، ولكنّ الصحابي الجليل هو أول من بناه قبل الفرنجة بنحو 4 قرون، فقصدت لأن أحيي الذكرى، وأقمت الصلاة داخل هذه القلعة وجئتُ بمفتي المدينة فأمَّ الناس بها، وكَتَبَتْ عن الحدث الصحف المحلية، واخترت يوما محددا اعتبرته عيد هذه المدينة، وهو يصادف يوم 26 نيسان/ أبريل تحتفل به بلدية طرابلس كل سنة وتُعطّل العمل لأنه في هذا اليوم تم تحرير طرابلس من الصليبية.

[غياب الوثائق الوقفية .. أزمة حضارية]

عُيِّنتُ بعد ذلك في دائرة الأوقاف الإسلامية في طرابلس كرئيس للقسم الديني، وفوجئتُ وأنا في هذا المنصب بأن الدائرة تخلو تماما من أي وثيقة وقفية مع أن مدينة طرابلس تُعتبرُ من أغلى المدن في لبنان بأوقافها الإسلامية. وزارني في أحد الأيام بشكل مفاجئ أربعُ مستشرقين ألمان كان معهم رئيس المعهد الألماني بالقاهرة وزوجه التي كانت تُحضر رسالة دكتوراه عن النقوش المملوكية التي نُقشت على المعالم القديمة في بلاد الشام، ومنها طرابلس، فأتوا إلى الأوقاف وفي ظنهم أنهم سيجدون وثائق وقفية ستُعينهم في هذا البحث، ففوجئوا بأن الدائرة لا تحوي أَيَّةَ وثيقة، فقمتُ معهم بجولة على المساجد والمدارس ليروا الكتابات المنقوشة ويُصوِّرُونها، وهذا دفعني لأن أضع كتابا عن هذا الموضوع، فألفت كتابا بعنوان (تاريخ وآثار مساجد ومدارس طرابلس في عصر المماليك)، ونفدت طبعته الأولى بعد ستة أشهر ونال سمعة واسعة، وهذا الكتاب وكتاب (الحياة الثقافية) طبعتهما على نفقتي الخاصة، ثم طبعت الجزء الأول من كتاب (تاريخ طرابلس السياسي والحضاري عبر العصور) على نفقتي الخاصة، ربما لأنني شعرت بأنني غير معروف وأن الكتاب لن يكون عليه إقبال كبير لكونه يتناول تاريخ منطقة قد لا تَهُمُّ عموم القراء.

وكنت إلى جانب هذا أكتب المقالات بشكل دائم في الصحف المحلية بطرابلس، وأثناءً في بعض المجلات في بيروت كمجلة (الفكر الإسلامي) الصادرة عن مجلة الفتوى في بيروت التي كنت أكتب في كل أعدادها تقريبا، حتى شعرت بأن اسمي بدأ يصير معروفا فتجرّأتُ وتجرّأت معي دور النشر على طبع بعض الأعمال التي قدمتها إليها.

[مسيرةٌ عصاميّة .. وجولةٌ في عالم التحقيق]

وكيف انتقل الدكتور تدمري إلى التحقيق؟

في الحقيقة، أنا لم أتلقّ فن التحقيق على يد أحد من المحققين. ولما كنت أتردد على دار الكتب بالقاهرة أثناء دراستي، كنت أقف على باب الكتب قبل أن يصل من يفتح الباب فأدخلَ معه وأمكثَ فيها حتى تغلق الدار (من الساعة الثامنة صباحا إلى الثامنة مساء) وكنت لا أتغدّى من شدة نهمي بمطالعة كل كتب التاريخ والأدب الموجودة في الدار.

وعرفتُ فيما بعد أن هناك مركزا لتحقيق التراث في قسم مُلحق بدار الكتب، فتسللتُ إليه بدون استئذان، وأصبح الموظفون يعرفونني من شدة ما كنت أتردد على الدار، فكنت أجد ثلاث أو أربع حلقات لأساتذة محققين يتحلق حول كل واحد منهم خمس أو ست طلبة، ويقرأ أحد الطلبة المخطوط والأستاذ يُصحح، وإذا مروا على مصطلح طبي أو فلكي يطلب من كل واحد من الطلبة حسب ما كلفه به أن يشرح هذا المصطلح بالرجوع إلى المعاجم المتخصصة في ذلك الفن. فكنت أجلس بعيدا وأسترق السمع والنظر فالتقطت مبادئ هذا الفن. كما أنني كنت أستفيد أثناء قراءتي للكتب من طرائق أصحابها في التحقيق والتعليق والدراسة، وعندي صفة ميزتني عن بقية المحققين، حيث أنني حين أقف ـ مثلا ـ على ترجمة لشخص مُعيّن، لا أكتفي بالإحالة على مصدر أو مصدرين ترجما له، وإنما أسرد معظم المصادر التي ذكرت ترجمته، وقد قال لي بعض الأساتذة الباحثين من مختلف ربوع العالم العربي إن هذه الطريقة وفَّرت عليهم جُهدًا كبيرًا في البحث.

[تاريخ الإسلام للذهبي .. نقطة البداية]

وكيف بدأت تجربة التحقيق بعد تجربة التأليف؟

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير