تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كنت أثناء عملي في الأوقاف أُدرِّس في الجامعة اللبنانية ببيروت، فالتقيت صدفة بصديق كان يدرس معي في القاهرة، وهو الشيخ خليل الميس مفتي البقاع حاليا، فقال لي بأن له صديقا وصاحب دار نشر محترمة [دار الكتاب العربي] في بيروت وهو يحلم بأن ينشر كتاب (تاريخ الإسلام) للحافظ الذهبي، ويريد باحثا متخصصا في التاريخ لتحقيق الكتاب، وسألني إن كُنتُ مستعدا لهذا العمل؟ فقلت له: نعم. فضرب لي موعدا مع الناشر بعد أسبوع في بيت صاحب الدار وتم الاتفاق وبدأتُ بتحقيق الكتاب.

لكنني فوجئت أثناء العمل أن صاحب الدار كان قد وزّع من تاريخ الإسلام 6 أجزاء: جزءان على الشيخ محمد رشيد قباني مفتي الجمهورية اللبنانية الحالي، وجزءان على الشيخ خليل الميس، وجزءان على الدكتور إبراهيم السيد مستشار رئيس الحكومة اللبنانية الحالي [فؤاد السنيورة]، حيث أراد أن يُسرع في نشر الكتاب، فمضى على تعامله مع هؤلاء السادة نحو سنتين ولم يُعيدا له أي عمل، فأخذتُ العملَ كلَّه على عاتقي وعملت فيه 13 عاما حتى أنجزته بمفردي وأنا أكتب بيدي وأنسخ وأصحح مرة وثانية وثالثة حتى نتأكد أنه ما فيه أخطاء، ثم أفهرس كل مجلد، إلى أن وصلت في الأجزاء الأخيرة لعمل 30 فهرسا في كل مجلد، والحمد لله الذي أعانني على إصدار الكتاب، ثم وجدتُ له ذيلا فنشرته.

وكنت أثناء عملي في تاريخ الإسلام أروِّح عن نفسي بتحقيق كتب أخرى. لأن العمل الطويل الذي يأخذ سنوات من التركيز يجعل الإنسان يَمَلُّ، وأنا كنت أعمل يوميا ما بين 15 إلى 18 ساعة. وساعدني على ذلك كون ساعاتي التي أدرسها في الجامعة قليلة جدا، حيث كنت أشرف على رسائل الماجستير والدكتوراه، فكنت أُدَرِّس يوما واحدا في الأسبوع وأتفرَّغُ للتحقيق في الأيام الأخرى.

وحتى الأهل والأصدقاء والمعارف كانوا يعرفوا مدى اشتغالي بالتحقيق والتأليف، فكانت زياراتهم لي قليلة، وأنا كنت لا أزورهم إلا في ما يقتضي. وكنت أصلِّي الفجر ثم أشرع في العمل، وحتى الغداء أتناوله وأنا أمسك كتابا بيدي.

[معجم الأعلام اللبنانيين في تاريخ دمشق]

وَلَمَّا اطَّلعتُ على مخطوطة تاريخ دمشق لابن عساكر أثناء دراستي في مصر، جمعتُ منه جميع الأعلام الذين ينتسبون لمدينة طرابلس كي أضع معجما للطرابلسيين من خلال تاريخ دمشق.

وبعدما جمعت تلك المعلومات، صادف ذلك بداية السنة الأولى من القرن الخامس عشر الهجري (1400هـ)، وعُقد اجتماعٌ عالميٌّ لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، ثم أُنشئت لجنة خاصة وطُلب من جميع الدول المنتمية لرابطة العالم الإسلامي أن تُنصّب لجنات للاحتفال بهذه المناسبة. وأعلنوا في الصحف عن جائزة قيّمة لأفضل عمل يُقدّم بهذه المناسبة، وكان صديقي حينها مدير عام دار الفتوى ببيروت باعتباره رئيس تحرير لمجلة الفكر الإسلامي، فهاتفني وطلب مني إكمال العمل لتقديمه للمسابقة. فعدتُ إلى القاهرة من جديد ومكثتُ بها شهرين، وقرأت تاريخ دمشق من جديد ووسّعت دائرة البحث بحيث لم أكتف بأعلام طرابلس فقط بل جَمَعتُ كل الأعلام الذين ينتسبون إلى المدن اللبنانية. فتجمَّع لديّ أكثر من 6000 علم جمعتها ورتبتها أبجديا، وكنت الفائز الأول في المسابقة. وكُتب عن المؤلَّف تقارير جيدة، وأحب بعضهم أن ينشر هذا العمل ففاوضوني واتفقنا، وصدرت الموسوعة في 16 مجلدا، وكان صدورها في أصعب الأوقات التي عانى منها لبنان في الحرب الأهلية (1975 ـ 1990)، وكنت حينها أعمل في تاريخ الإسلام وفي الموسوعة، وبحكم الإشراف على الطباعة والتصحيح والفهرسة، كنتُ أضطر إلى التوجه نحو بيروت، وكان حزب القوات اللبنانية يقيم حاجزا مسلّحا في الطريق بين طرابلس وبيروت ويمارس القتل على الهوية، وتعرضنا لأخطار جسيمة، ومع ذلك حمدنا الله على السلامة والحفظ.

[فجوة تاريخية .. وبدايات الالتحام]

بصفتكم مؤرخا متخصصا، ما هي أبرز الإشكاليات التي أثارت انتباهكم وحفّزتكم للبحث أكثر في القضايا التاريخية؟

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير