تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ويؤيد ذلك قوله تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً} سورة النحل، الآية:72.

فسياق الآية جاء في معرض الامتنان، وقد تقرر في علم الأصول:

أنَّ النكرة في سياق الامتنان تعمُّ، فقوله: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً} جمع مُنكَّرٌ في سياق الامتنان فهو يعمُّ، وإذا عمَّ دلَّ ذلك: على حصرِ الأزواج لنا فيما هو من أنفسنا أي: من نوعنا وشكلنا.

والجنُّ ليسوا من أنفسنا، فلم يُجعل منهم أزاوج لنا، فلا يكونون لنا أزواجاً لفوات المقصود من حلِّ النكاح من بني آدم، وهو: سكون أحد الزوجين إلى الآخر، لأنَّ الله تعالى أخبر أنه جعل لنا من أنفسنا أزواجاً لنسكن إليها.

فالمانعُ الشرعيُّ حينئذ من جواز النكاح بين الإنس والجن:

عَدَمُ سكون أحد الزوجين إلى الآخر.

إلا أنْ يكون عن عشقٍ، وهوى متبعٍ من الإنس والجن، فيكون إقدام الإنسي على نكاح الجِنيَّةِ للخوف على نفسه، وكذلك العكس؛

إذ لو لم يقوموا على ذلك لآذوهم، وربما أتلفوهم البتَّة.

ومع هذا فلا يزال الإنسي في قَلَقٍ، وعدمِ طمأنينة، وهذا يعود على مقصود النكاح بالنقص.

وأخبر الله تعالى أنه جعل بين الزوجين: مودة ورحمة، وهذا منتف بين الإنس والجن، لأنَّ العداوة بين الإنس والجن لا تزول بدليل قوله تعالى: {وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ} سورة البقرة، الآية36.

وثبت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من حديث أبي موسى الأشعري

-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:

(فناء أمَّتي بالطعن والطاعون،فقيل: يا رسول الله! هذا الطعن قد عرفناه، فما الطاعون؟ قال: وَخْزُ أعدائكم من الجن-وفي رواية: طعن أعدائكم من الجن-،وفي كلٍّ شهادة).

وعن أبي بكر بن أبي موسى عن أبيه -رضي الله عنه-قال: ذُكِرَ الطاعون عند أبي موسى فقال: سألنا عنه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -؟ فقال:

(وخزُ أعدائكم الجن، وهو لكم شهادة).

فإذا انتفى المقصود من النكاح وهو سكون أحد الزوجين إلى الآخر، وحصول المودة والرحمة بينهما: انتفى ما هو وسيلة إليه، وهو: جواز النكاح).

ثانياً:

وممَّا يدلُّ على عدم الجواز: عدو حصول الإذن من الشرع، فإنه لا يُعلم دليلٌ من الكتاب ولا من السنة الصحيحة جواز مناكحة الجن والإنس.

وقد قال تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} سورة النساء، الآية:3.

والنساء: اسم للإناث من بنات آدم خاصة. والرجال إنما أُطلق على الجنِّ لأجل مقابلة اللفظ،في قوله تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ} سورة الجن، الآية:6.

وقال تعالى: {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ} سورة المؤمنون، الآية:6.

فأزواج بني آدم من الأزواج المخلوقات لهم من أنفسهم المأذون في نكاحهن،وما عداهن فليسوا لنا بأزواج، ولا مأذون لنا في نكاحهنَّ.

ثالثاً:

لو قال معترضٌ:قدمتَ قبلُ إمكانَ الوقوع، أفلا يدل ذلك على حلِّ النكاح؟!.

قلنا: لا؛ هذا غير لازم، فإنَّ الشيء قد يكون ممكناً ويتخلف لمانع؛فإنَّ المجوسيات، والوثنيات نكاحهن ممكن، وذلك لا يحل لنا، وكذلك المحارم،ومن يحرم من الرضاع.

وعلَّة النهي - كما قدمنا -: عدم حصول المقصود من النكاح الذي هو حصول المودة والرحمة والألفة، وعدم إذن الشرع.

رابعاً:

ما جاء عن السلف في كراهية ذلك والنهي عنه:

نُقل عن كثيرٍ من السلفِ النهي عن نكاح الجن، ومنهم:

الحسن البصري،وقتادة،والحكم، وإسحاق بن رهاوية، وعقبة الأصم .. وغيرهم رحم الله الجميع.

والمنع منقول عن الحنابلة، كما ذكر ذلك ابن مفلح في كتابه الفروع،والسفاريني في لوامع الأنوار.

ومنقول عن الحنفية نقله الشيخ جمال الدين في كتابه:

(منية المفتي).

وكذلك المنع منقول عن كثير من الشافعية، نقل ذلك الأسنوي في جملة مسائله التي سأل بها الإمام البازري من أئمة الشافعية (1).

ومن لطائف الأخبار المنقولة ما ذكره الذهبي في ميزان الاعتدال (7/ 288) والدميري في حياة الحيوان الكبرى (1/ 302) عن الطحاوي قال: (حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال:قدم علينا يَغْنَمُ بن سالم مصر فجئته فسمعته يقول: تزوجت امرأة من الجن، فلم أرجع إليه).

والله الموفق

وكتب/ أبوعبدالرحمن.

غفر الله له ولوالديه وللمسلمين ..


1 - انظر: آكام المرجان في أحكام الجان (66 - 74) ولقط المرجان، للسيوطي،والأشباه والنظائر، لابن نجيم (327 - 328) والفتاوى الحديثية، للهيتمي (68 - 69) وتفسير القرطبي (13/ 213) والأشباه والنظائر،للسيوطي (256 - 257) وحياة الحيوان الكبرى، للدميري (1/ 302) وأضواء البيان، للشنقيطي (3/ 293) والفروع لابن مفلح (1/ 604) ولوامع الأنوار، للسفاريني (2/ 225) وتفسير الآلوسي (19/ 189) والهواتف، لابن أبي الدنيا (32و107) وتهذيب السنن، لابن القيم (14/ 10) وعالم الجن، لعبد الكريم العبيدات (325 - 342) وقد أفرد بعض أهل العلم للمسألة رسائل خاصة، منهم: الشيخ: حامدي العمادي،فقد ألف رسالة سماها: (تقعقع الشن في نكاح الجن) كما في سلك الدرر (2/ 12).
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير