يقول عن بني إسرائيل: ? وغرَّهم في دينهم ما كانوا يفترون ? [آل عمران: 24] ومعنى
ذلك أنَّ اليهود ركنوا إلى قول من قال منهم كما في صحيح البخاري: ((نكون فيها يسيرا))
أي النار ((ثم تخلفونا فيها؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اخسئوا فيها، والله لا
نخلفكم فيها أبداً)) فالاعتماد إنَّما يكون على ما جاء بدليلٍ واضحٍ، وليس على قول من
لايعتبر قوله حجة، وبالله التوفيق.
أمَّا دفاع أسامة القوصي عن علي جمعة، وزعمه: " أنَّه لايجوز أن يطعن في الشيخ على
جمعة مفتي الديار المصرية؛ لكونه عنده شيءٌ من التصوف، وعنده شيءٌ من التمشعر؛
هذا خطأ هذا منصبٌ لابد أن يحترم؛ هذا منصبٌ لابدَّ أن يعظم؛ هذا المنصب يعتبر ولاية
شرعية لابدَّ من تعظيمها، وتفخيمها، ولايجوز الطعن فيمن تولَّى هذا المنصب " اهـ.
ومعنى ذلك أنَّ مفتي الدولة لايجوز الكلام فيه؛ كما لايجوز الكلام في رئيس الدولة، ونحن
نطالبك أولاً بالدليل الذي يجعل لمفتي الدولة حكم رئيس الدولة في عدم ذكر أخطاءه علانيةً،
ومناقشته فيها.
ثانياً: من هو الذي سبقك إلى هذا من العلماء.
ثالثاً: إذا لم تأت بدليلٍٍ صحيحٍ صريحٍ على صحة مدَّعاك فأنت مجاملٌ للمفتي تريد أن تضيِّع
الحق من أجل مجاملته، فتبوء بمثل إثمه، فأخشى أن ينطبق عليك قوله صلى
الله عليه وسلم: ((من التمس رضى الله بسخط الناس رضي الله عنه؛ وأرضى عنه الناس،
ومن التمس رضى الناس بسخط الله سخط الله عليه؛ وأسخط عليه الناس))
رواه ابن حبان في صحيحه.
رابعاً: هل يجوز السكوت عمَّن يفتي بحلِّ الشرك الأكبر، والتطوف بالأضرحة.
خامساً: وإذا كان الأمر كذلك، فما معنى قوله صلى الله علي وسلم في حديث عبادة بن
الصامت رضي الله عنه: ((وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن ترو كفرا بواحاً عندكم من
الله فيه برهان)) متفق عليه؛ فهل المنازعة لرئيس الدولة أو لكل من اتخذ منصباً فيها؟.
سادساً: ونحن نوجدك دليلاً يدل على خلاف زعمك؛ وهو أنَّ أهل الكوفة شكوا سعد بن أبي
وقاص إلى عمر بن الخطاب - وسعد أحد العشرة المشهود لهم بالجنة؛ وهو الذي فتح العراق
– فعزله، واستعمل عليهم عمَّاراً؛ فقالوا عن سعد: ((أنَّه لا يحسن يصلي، فأرسل إليه،
فقال يا أبا إسحاق: إنَّ هؤلاء يزعمون أنَّك لا تحسن تصلي؟ قال أبو إسحاق: أمَّا أنا
والله فإني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أخرم عنها؛ أصلي
صلاة العشاء، فأركد في الأوليين، وأُخِف في الأُخريين. قال: ذاك الظن بك يا أبا إسحاق،
فأرسل معه رجلاً - أو رجالاً - إلى الكوفة؛ فسأل عنه أهل الكوفة، ولم يدع مسجداً إلا سأل عنه،
ويثنون معروفا؛ حتى دخل مسجداً لبني عبس، فقام رجل منهم يقال له أسامة بن قتادة؛
يكنى أبا سعدة؛ قال: أما إذ نشدتنا؛ فإنَّ سعداً كان لا يسير بالسرية، ولا يقسم بالسوية،
ولا يعدل في القضية. قال سعد: أما والله لأدعونَّ بثلاث: اللهم إن كان عبدك هذا كاذبا؛
قام رياءً وسمعةً؛ فأطل عمره، وأطل فقره، وعرضه بالفتن، وكان بَعْدُ إذا سئل يقول:
شيخٌ كبيرٌ مفتونٌ؛ أصابتني دعوة سعد. قال عبد الملك: فأنا رأيته بعد قد سقط حاجباه
على عينيه من الكبر، وإنَّه ليتعرض للجواري في الطرق يغمزهن)) رواه البخاري.
سابعاً: ونقول لك من الأولى بأن يحترم سعد بن أبي وقَّاص - الذي قال عنه عمر رضي الله عنه
في صحيح البخاري وغيره: " فمن أصاب الخلافة منكم (يقصد عثمان وعلي رضي الله عنهما)
فليستعن بسعد، فإنِّي لم أعزله عن عجز، ولاخيانة " - أو علي جمعة؛ الذي يفتي بجواز بناء
الأضرحة على القبور؛ مراغمةً للأحاديث الصحيحة الصريحة؛ التي تنهى عن البناء عليها،
ويتهم من يفتي بتحريم ذلك تبعاً للأدلة، وأنَّه ذريعةٌ من ذرائع الشرك الأكبر يتهمه بالهوس؛
وهو الجنون.
ثامناً: جاء في الصحيحين، واللفظ لمسلم: ((عن عروة عن أبي حميد الساعدي رضي الله
عنه قال: ((استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من الأُسد يقال له ابن اللُّتبية
(قال عمرو، وابن أبي عمر: على الصدقة) فلما قدم قال: هذا لكم، وهذا لي أهدي لي؛
قال: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، فحمد الله، وأثنى عليه، وقال:
¥