هي للتمثال الكامل، وليس للصورة الفوتغرافية، وليس أيضاً للتمثال الناقص؛ وليست
للعب الأطفال، وليس لما لاظلَّ له، وليس لما يستعمل للإفادة أو للعلم أو للتذكير " ثمَّ قال:
" وهذا محررٌ في الفتاوى عبر خمسين عاما " اهـ.
وأقول: مفاد هذا المقطع أنَّه لايحرم من التصوير إلاَّ ما كان صنماً؛ يعني هيكلاً كاملاً،
وهذا عليه فيه مؤاخذات:
فهو أباح الصورة الفوتغرافية، وأباح التمثال الناقص، وأباح لعب الأطفال، وأباح ما لاظلَّ له،
وأباح ما يستعمل للإفادة؛ أو للعلم أو للتذكير، وأحال على الفتاوى الصادرة خلال خمسين عاما؛
علماً أنَّ الأدلة تدل على تحريم التصوير بجميع أشكاله، وألوانه؛ قال البخاري - في كتاب
اللباس باب عذاب المصورين يوم القيامة برقم الحديث 5738 - حدثنا الحميدي حدثنا سفيان
حدثنا الأعمش عن مسلم قال:كنَّا مع مسروق في دار يسار بن نمير فرأى في صُفَّته تماثيل فقال:
سمعت عبد الله قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنَّ أشد الناس عذابا عند
الله يوم القيامة المصورون)) ثمَّ أخرج البخاري بعده حديثاً برقم 5739 قال: حدثنا إبراهيم بن
المنذر حدثنا أنس بن عياض عن عبيد الله عن نافع أنَّ عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أخبره
أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة
يقال لهم أحيوا ما خلقتم)) وللحافظ ابن حجر في فتح الباري في شرح هذين الحديثين كلامٌ
طويل قال فيه: " قال النووي؛ قال العلماء: تصوير صورة الحيوان حرامٌ شديد التحريم؛
وهو من الكبائر؛ لأنَّه متوعدٌ عليه بهذا الوعيد الشديد، وسواءً كان في ثوبٍ أو بساط أو درهم
أو دينار أو فلس أو إناء أو حائط أو غيرها؛ فأمَّا تصوير ما ليس فيه صورة حيوان؛ فليس
بحرام؛ قلت (القائل هو الحافظ ابن حجر): ويؤيد التعميم فيما له ظل وما لاظلَّ له؛ ما أخرجه
أحمد من حديث علي رضي الله عنه: ((أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: أيُّكم ينطلق
إلى المدينة؛ فلايدع بها وثناً إلاَّ كسره، ولاصورةً إلاَّ لطَخها أي طمسها)) " اهـ.
قلت: وهذا الذي تؤيده الأدلة إلاَّ أنَّ تصوير الجبال، والشجر أفتى بجوازه ابن عباس رضي
الله عنه، ويجوز من الصور ما ألجئ إليه الإنسان كالصورة في الجنسية، والجواز، والإقامة،
ورخصة قيادة السيارة، وما أشبه ذلك لقوله تعالى: ? إلاَّ ما اضطررتم إليه ?
[الأنعام: 119] ومما يؤيد أنَّ التحريم شاملٌ لما له ظل، ومالا ظلَّ له إنكار النبي صلى الله
عليه وسلم على عائشة في قصة القرام؛ وهو ثوب فيه تصاوير، نشرته على سهوتها عند
قدومه صلى الله عليه وسلم من تبوك فهتكه، وقال: ((إن من أشد الناس عذابا يوم القيامة
الذين يشبهون بخلق الله)) رواه أحمد وغيره، وأصله في صحيح مسلم باب تحريم تصوير صورة الحيوان.
وأكتفي بهذا القدر من الرد على الدكتور فيما زعمه أنَّه لايحرم إلاَّ التمثال الكامل، والأدلة
عامَّةٌ في التحريم، وشامله ماله ظلٌّ، وما لاظلَّ له؛ كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر، والنووي
رحمهما الله تعالى.
أمَّا لعب الأطفال فإنَّما يباح منها ما كان من القصب؛ أمَّا ما كان من البلاستيك المنفوخ
(الدُّمى) فهو محرَّمٌ، ومن يقول بحلِّه، ويستدل عليه بما روته عائشة من لعب القصب؛
فقد أخطأ إذ أنَّ اللعب؛ التي من القصب، واللعب التي من البلاستيك بينها فرقٌ كبير، ثمَّ
إنَّ لعب البنات من القصب كان في زمن الصغر بعد زواج النبي صلى الله عليه وسلم؛ ودخوله
بأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وتحريم الصور والتصوير وقع متأخراً، فهتْك النبي
صلى الله عليه وسلم لقرام عائشة كان في السنة التاسعة حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم
من تبوك، فالإذن فيها (أي لعب الأطفال) على القول الأصح؛ فيما إذا كانت من القصب؛
أو أنَّه منسوخٌ بقصة القرام، والله أعلم.
أمَّا قوله: " وهذا محررٌ في الفتاوى عبر خمسين عاما " فهذا إحالةٌ على مجهول؛ علماً بأنَّ
الفتاوى التي حصلت إذا كانت مخالفةً للنصوص الشرعية؛ فإنَّها لاعبرة بها، وإنَّما الاعتبار
بالفتاوى؛ التي تؤيدها الأدلة؛ أمَّا ما ليس كذلك، فلا عبرة به كما قلنا، والله سبحانه وتعالى
¥