• لقد قلت من قديم ان الاسلام اليوم امام هجوم ماعرفه اهله ايام حملات الصليبيين ولا هجمات المغول والتتر وهو اشد من الاستعمار الذي طالما قاسينامنه وبذلنا الكثير الكثير ليدفع شره عنا، فهذا الاستعمار العسكري انتهى ولكن بلينا باستعمار شر منه هو الاستعمار الفكري والاجتماعي ان اعداءنا يدخلون علينا من بابين: باب يأتي منه مرض يقتل، وهو الكفر ولكنه مرض بطيئ الانتشار ضعيف العدوى، ومرض دونه خطرا وهو اقل منه ضررا، ولكن عدواهـ سريعة وانتشارهـ عاجل.
الاول: هو مرض الشبهات، والثاني هو مرض الشهوات.
واول مايتمثل المرض الثاني في هتك حجاب المسلمات، واختلاط البنين بالبنات، وتمهيد طريق الفاحشة للشبان والشابات، وقد سخرت له قوى هائلة لاطاقة لنا اليوم بدفعها مجتمعة، الا ان يحفظ كل اب منا بنته، وكل زوج زوجته، وكل اخ اخته.
انا اقيم في مكة، وصيف مكة اتون متقد، الحرارة فيها قد تقارب الخمسين، فماذا اعمل؟ هل استطيع ان انصب على ابي قبيس مكيفا ضخما وعى قعيقعان –جبل الهندي- مثله لابرد جو مكة؟ وان جاء البرد في جبال الشام ولبنان فه اضع في ذراها مدافئ كبيرة تدفع البرد وتعدل الجو؟ ام اتي في الصيف بمكيف صغير اضعه في بيتي واغلق بابه علي، واضع مدفأة في داري في الجبل فأدفئ بيتي؟
علينا ان نحفظ انفسنا وان نحفظ من استرعانا الله امرهـ من اهلنا واولادنا فكيف اعمل على تعليم بناتي الحجاب؟ انا لااريد ان اجبر بنتي عليه اجبارافتتخذه وهو كارهة له، ضائقة به، حتى اذا استطاعت نبذهـ نبذته بل اريد ان تتخذهـ مقتنعه به، مطمئنة اليه محبة له.
لما جاوزت بنتي الاولى التاسعة ومشت في طريق العاشرة،فكرت وطلبت العون من الله فقلت لامها: اذهبي فاشتري لهاخمارا –اشارب- غاليا نفيسا.
وكان الخمار العادي يباع بليرتين اثنتين، وان ارتفع ثمنها فبثلاث، قالت: انها صغيرة، تسخر منها رفيقاتها ان غطت شعرها، ويهزأن منها قلت: لقدقدرت هذا وفكرت فيه، فاشتري لها اغلى خمار تجدينه في السوق مهما بلغ ثمنه، فكلمتني بالهاتف من السوق وقالت: لقد وجدت خمارا نفيسا جدا من الحرير الخالص ولكن ثمنه اربعون ليرة.
وكان هذا المبلغ يعدل يومئذ اكثر من ثلث راتبي في الشهر كله، فقلت لها: اشتريه، فتعجبت وحاولت ان تثنيني عن شرائه فأصررت، فما جاءت به ولبسته البنت وذهبت به الى المدرسة كان اعجاب التلميذات به اكثر من عجبهن منها بارتدائه، وجعلن يثنين عليه وقد حسدها اكثرهن على امتلاكه، فاقترن اتخاذها الحجاب وهي صغيرة بهذا الاعجاب وهذا الذي رأته من الرفيقات وذهب بعضهن في اليوم التالي فاشترين مايقدرن عليه من امثاله وان لم تشتر واحدة منهن خمار في مثل نفاسته وارتفاع سعرهـ.
بدأت اتخاذ الحجاب فخور به، محبة له، لم تكره عليه ولم تلبسه جبرا، واذاكان العامة يقولون: الشئ الغالي ثمنه فيه، فان هذا الخمار بقي على بهائه وعلى جدته حتى لبسه بعده بعض اخواتها وهو لايزال جديدا، فنشأن جميعا بحمدالله، متمسكات بالحجاب تمسك اقتناع به وحرص عليه، حتى ان بنتي الشهيدة السعيدة ان شاء الله عاشت هي وبنتها في اروبا سنين طوالا جدا فما بدلت حجابها ولاغيرت ثيابها.
وكانت بنتها هادية في مدرسة المانيةفدخلت المعلمة الفصل فوجدت حفيدتي في نقاش مع رفيقاتها، وعلت اصواتهن يتناقشن في امر الحجاب الذي تتخذه فسألت المعلمة مالخبر فقلن لها انهن يتناقشن في الحجاب فقالت لهادية: انني اعطيك عشر دقائق لتقومي فتشرحي للطالبات سبب اتخاذك هذا الحجاب.
وكانت تحسن النطق بالالمانية، حتى انها اخذت فيها الدرجة الاولى وسبقت بنات الالمان انفسهن – فشرحت ماتعرف من امر الحجال وبينت حكمه في الاسلام وفوائدهـ وما يدفع عن البنت من ضرر، حتى اقتنعن وسكتن ولم تعد واحدة منهن بعد ذلك الى التعرض لها,
وقدمت بنتي في احدى الادازات الى عمان، وكنا فيها،فاجتمعت عند طبيب اسنان في غرفة الانتظار بجماعة من النساء المتكشفات السافرات اللواتي يحسبن التقدم والرقي بتقليد الاجانب عنهن واتباعهن في سلوكهن، فلما رأينها متحجبة احببن ان يسخرن منها فقلن لها: من أي قرية جاءت الست؟ فقالت: من قرية تدعى جنيف،- وكانت تقيم فيها يومئذ مع زوجها واولادها- وحدثتهن عن حياته فيها، فخجلن من انفسهن وسكتن عنها واكبرنها، فكان ذلك درسا لهؤلا المقلدات المتحذلقات.
¥