تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وسلم -: ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة» (15).

وما ذلك إلا لأن في تنويع الطاعات تأسياً بالنبي -صلى الله عليه وسلم -، واستكثاراً من الخير، وتحفيزاً للنفس على العمل، ومراعاة لطبيعتها؛ لأنها قد تصاب بنوع من الرتابة والاعتياد نتيجة لزوم أنواع محددة من القُرَب، وقد يُفتَح لها في أبواب من الخير أخرى يكون القلب فيها أحضر؛ فكلما نوَّع العبد من قُرَبه، وتقلَّب بين جنباتها كلما جدد إيمانه، وتعرف على الحال التي هي أنفع لقلبه، وأتقى لربه، وتمكن من استغراق وقت أطول في عمل ما يحبه ـ سبحانه ـ ومكَّنه ذلك من استثمار قلبه ولسانه وجوارحه في طاعة مولاه، وقضاء جميع أحواله وأوقاته في مرضاة الله تعالى.

4 ـ إدراك مراتب الأعمال:

فاضَلَ الله ـ تعالى ـ بين الأعمال الصالحة، كما قال ـ سبحانه ـ: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة: 19]، وقال ـ سبحانه ـ: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت: 45]، وكما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: «الإيمان بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان» (1)، وكما جاء في حديث عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: «قلت: يا رسول الله! أي العمل أفضل؟ قال: الصلاة على ميقاتها، قلت: ثم أي؟ قال: ثم بر الوالدين، قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله» (2).

وتفاضل الأعمال مرده تارة إلى جنس العبادة؛ فمثلاً جنس الصلاة أفضل من جنس القراءة، وجنس القراءة أفضل من جنس الذكر، وجنس الذكر أفضل من جنس الدعاء.

وتارة إلى حال العبد فالتسبيح والذكر في حال الركوع أفضل من القراءة، والطواف للآفاقي (3) أفضل من الصلاة، بينما الصلاة للمقيم بمكة أفضل، وما يقدر عليه العبد من العبادات أفضل في حقه مما يعجز عنه، وإن كان جنس المعجوز عنه أفضل.

وتارة إلى وقت العمل؛ فالصدقة في رمضان خير منها في غيره، والقراءة والذكر والدعاء بعد صلاتي الفجر والعصر هي من الأعمال المشروعة دون الصلاة.

وتارة إلى مكان العمل؛ فالصلاة في المساجد الثلاثة أفضل من الصلاة في غيرها، والمشروع للحاج بعرفة ومزدلفة وعند الصفا والمروة هو الذكر والدعاء دون الصلاة.

وتارة إلى جنس العابد؛ فالجهاد للرجال أفضل من الحج، وأما النساء فجهادهن الحج (4).

فالذي يحسن أن يختار العبد من القُرَب أعلاها منزلة وأكثرها أجراً، هذا من حيث الإطلاق. أما من حيث التقييد؛ فمن الصعب القول بأن قُرْبة معينة هي الأفضل في حق شخص معين؛ إذ الأفضل في حق كل إنسان ما كان أنفع له وأجمع لقلبه وأشرح لصدره؛ فكل قُرْبة يأتي بها العبد على الوجه الكامل، ويكون فيها أتقى لله وأخشع، فهي أفضل في حقه من غيرها، وإن كانت هناك قُرْبة أفضل منها. يقول ابن تيمية مبيناً ذلك: (من الناس من لا يصلح له الأفضل، بل يكون فعله للمفضول أنفع، كمن ينتفع بالدعاء دون الذكر، أو بالذكر دون القراءة، أو بالقراءة دون صلاة التطوع. فالعبادة التي ينتفع بها فيحضر لها قلبه، ويرغب فيها ويحبها أفضل من عبادة يفعلها مع الغفلة وعدم الرغبة) (5)، وفي موضع آخر يقول: (فأكثر الخَلْق يكون المستحب لهم ما ليس هو الأفضل مطلقاً؛ إذ أكثرهم لا يقدرون على الأفضل، ولا يصبرون عليه إذا قدروا عليه، وقد لا ينتفعون به، بل قد يتضررون إذا طلبوه، مثل: من لا يمكنه فهم العلم الدقيق إذا طلب ذلك فإنه قد يفسد عقله ودينه) (6).

ولهذا فقد تكون قُرْبةٌ في وقت أفضل للعبد، وفي وقت آخر لا تكون الأفضل له، بل يكون الأفضل له قربة أخرى بحسب جمعيته لقلبه عليها، فينبغي للعبد أن يجتهد في اختيار القربة التي هي أرضى لربه، وأعظم لأجره، وأن يستهدي الله ـ تعالى ـ ويستعينه على ذلك، فإنه ما صدق عبد ربه إلا صنع له سبحانه.

5 ـ توسيع دائرة التقرب:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير