تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

مهما اجتهد المرء في العبادات المحضة وأعطاها من وقته فإنها تبقى معدودة؛ إذ له قدرة محدودة لا يمكنه تجاوزها، كما أن له متطلبات جسدية، واحتياجات فطرية، وعليه واجبات اجتماعية لا بد من مجيئه بها وإعطائها جزءاً كبيراً من وقته، ولذا فقد فتح الرب الرحيم للمسابقين في الخيرات الحريصين على عالي الدرجات أموراً يمكنهم من خلالها توسيع دائرة تقربهم، ولعل من أبرزها ما يلي:

أ - احتساب الأجر في المباح، والتي لا يثاب المرء عليها إلا بنية رجاء الأجر على فعلها من الله تعالى، كما دل على ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم -: «إذا أنفق المسلم نفقة على أهله وهو يحتسبها كانت له صدقة» (7)، وقوله -صلى الله عليه وسلم - لسعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنه ـ: «إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أُجرت عليها، حتى ما تجعل في فم امرأتك» (8)، فالمباح (إذا قصد به وجه الله ـ تعالى ـ صار طاعة ويثاب عليه، وقد نبه -صلى الله عليه وسلم - على هذا بقوله -صلى الله عليه وسلم -: «حتى اللقمة تجعلها في فِيِ امرأتك» (1)؛ لأن زوجة الإنسان هي من أخص حظوظه الدنيوية وشهواته وملاذه المباحة، وإذا وضع اللقمة في فيها؛ فإنما يكون ذلك في العادة عند الملاعبة والملاطفة والتلذذ بالمباح؛ فهذه الحالة أبعد الأشياء عن الطاعة وأمور الآخرة، ومع هذا فأخبر -صلى الله عليه وسلم - أنه إذا قصد بهذه اللقمة وجه الله ـ تعالى ـ حصل له الأجر بذلك؛ فغير هذه الحالة أوْلى بحصول الأجر إذا أراد وجه الله تعالى؛ ويتضمن ذلك أن الإنسان إذا فعل شيئاً أصله على الإباحة وقصد به وجه الله ـ تعالى ـ يثاب عليه، وذلك كالأكل بنية التقوي على طاعة الله تعالى، والنوم للاستراحة ليقوم إلى العبادة نشيطاً، والاستمتاع بزوجته وجاريته ليكفَّ نفسه وبصره ونحوهما عن الحرام وليقضي حقها وليحصل ولداً صالحاً، وهذا معنى قوله -صلى الله عليه وسلم -: «وفي بضع أحدكم صدقة» (2)، والله أعلم) (3). وقد وردت آثار عدة عن بعض السلف تحث على هذا الأمر؛ فعن معاذ بن جبل ـ رضي الله عنه ـ حين سئل: كيف تقرأ؟ فقال: «أنام أول الليل، فأقوم وقد قضيت جزئي من النوم، فأقرأ ما كتب الله لي، فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي» (4)، أي: أنه يرجو الأجر في ترويح نفسه بالنوم؛ ليكون أنشط عند القيام بالعبادة، وعن زيد الشامي قال: (إني لأحب أن تكون لي نية في كل شيء، حتى في الطعام والشراب)، وعنه قال: (انوِ في كل شيء تريد الخير، حتى خروجك إلى الكُناسة) (5).

فيا من تريد توسيع دائرة قُرُباتك، والإكثار من أجورك أرد إرضاء الله ـ تعالى ـ بما تأتي من الأمور المباحة والأعمال المعتادة؛ فإن المرء يؤجَر عليها متى جعلها وسيلة لطاعة واجبة أو مندوبة أو تكميلاً لشيء منهما (6).

ب - الهم بعمل الخير وإن لم يعمل؛ فإن نية الخير المجردة من الفعل يثاب المرء عليها، كما في حديث: «إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بيَّن ذلك؛ فمن همَّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة، فإن هو همَّ بها وعملها كتبها الله له عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة) (7).

فإن نوى الخير، وكانت النية مستقرة في القلب فحال بينه وبين عمله عذر أو عجز كان له أجر عامل، كما يدل على ذلك حديث أنس ـ رضي الله عنه ـ: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - رجع من غزوة تبوك فدنا من المدينة،، فقال: «إن بالمدينة أقواماً ما سرتم مسيراً، ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم، قالوا: يا رسول الله! وهم بالمدينة؟ قال: وهم بالمدينة، حبسهم العذر» (8)، وحديث أبي كبشة الأنباري ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: «مثل هذه الأمة كمثل أربعة نفر: رجل آتاه الله مالاً وعلماً فهو يعمل بعلمه في ماله ينفقه في حقه، ورجل آتاه الله علماً ولم يؤته مالاً، فهو يقول: لو كان لي مثل هذا عملت فيه مثل الذي يعمل، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: فهما في الأجر سواء، .... » (9)، وحديث أبي موسى الأشعري ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: «إذا مرض العبد أو سافر كُتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً» (10)، وحديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - قال: «ما من امرئ تكون له صلاة بليل يغلبه عليها نوم إلا كُتب له أجر صلاته، وكان

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير