تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فهي من مؤسسات التربية العربية الإسلامية الأصيلة تحمل بعض سمات وخصائص النظام التربوي الذي نشأ وازدهر في أحضان مدن الثغور وحواضر الخلاقة، لكنها تتميز بسمات خاصة حيث يصبح (شيخ المحضرة) بمثابة رئيس جامعة أو عميد كلية له أساتذة ومعاونو ن يعملون تحت إمرته دون أن ينقص ذلك من علمه.

لقد كانت المحضرة في الغالب مؤسسة بدوية تربوية، لكن أثر الحواضر الثقافية في تأسيسها وتنفيذها كان واضحا، ولعل الرباط الذي أقامه عبد الله بن ياسين 437هـ/1039م كان المحضرة الأولى في بلاد شنقيط، فقد انتظمت حركة المرابطين في جزيرة (تيدره) بالمحيط الأطلسي وعندما وصل عددهم إلى 4000 رجل توجهوا إلى المغرب عندما كان يقيم فيها صالح بن طريف وبنوا مدينة مراكش الحالية وهناك تشكلت الجيوش الإسلامية بقيادة طارق بن زياد ويوسف بن تاشفين. واجتازوا إلى بر الأندلس وقاتلوا الإسبان بقيادة "لادفنوش" وهزموهم.

تختلف المحضرة عن نظام الكتاب في أنها لا يصل إليها الطالب إلا وقد حفظ القرآن الكريم أو أجزاء منه ويأتي ليتعلم فيها بقية أنواع العلوم كالعقيدة والفقه والتفسير وعلوم اللغة العربية والتاريخ وعلوم الحساب والفلك وحتى الطب.

وكان لطلبة المحضرة منهاج دراسي مصطلح عليه يسعون لاستيعابه دون أن يلزموا أنفسهم بترتيب دقيق. وقد يتناول درس المحضرة جميع معارف ذلك العصر، وانصرفت بعض المحاضر إلى جانب واحد من هذه المعارف تكرس له جهدها في محاولة لتشجيع رغبة الطالب في تعلم جميع فنون العصر ومعارف البيئة.

مدرسة الحياة الشنقطية:

ليس من تقاليد شيوخ المحاضر أن يحجزوا وقتا خاصا لطالب معين أو لدراسة مادة معينة، بل يجلسون لتدريس الطلبة حسب ترتيب حضورهم أو أي ترتيب اختياري آخر، كما أنه ليس للمحضرة موسم دراسي محدد بل الزمن كله وقت دراسة باستثناء العطل الرسمية المعهودة إضافة إلى عطلة أسبوعية.

كان من العادات المتبعة في المجتمع الشنقيطي أن ينادي في المسجد فيتسابق الحاضرون لمساعدة طالب العلم في الحياة المعيشية وغالبا ما ينفق شيخ المحضرة من ثروته الخاصة لإعالة طلبة العلم دون أن يطلب جزاء، وكانت النساء يقمعن بالعناية بملابسهم ومنهن من كن معلمات وعالمات يقمعن بالتدريس في المراحل العمرية الأولى للطلاب ويحفظن القرآن الكريم والفقه المالكي ويقرضن الشعر.

ويمكن القول أن نظام تعليم المحضرة كان ذا توجه تربوي معاصر يمكن الفرد من مواجهة الحياة حيث كان يتعلم كيف يعيش مع الآخرين ويتلقى الدروس في تدبير أمور الحياة، فقد كانت دعائم المحضرة تقوم على الاكتفاء والعمل الدوري التعاوني من خلال تسيير الطلاب للشؤون الحياتية اليومية.

فالمحضرة عبارة عن خلية عمل تربوي أدواتها لوح وقلم من الخشب مع مدار أسود أو أحمر، أما الورق فكان نادرا في هذا الوضع يتحول طلب العلم إلى رياضة متصلة تربي الطالب على التحمل، فهي مدرسة للحياة والعلم معا. وفي هذه البيئة كان يعيش هؤلاء الناس لقد خلقهم التاريخ ولكنهم يحلمون بخلق التاريخ.

بلاد المليون شاعر:

لعب الشعر دورا هاما في الحياة الاجتماعية والسياسية والدعوة إلى حماية هوية البلاد الثقافية. ففي رحاب المحضرة نبت الشعر وتقبله الناس وتعاطوه حفظا ونظما في مساجلاتهم وسمرهم حتى قيل عن بلاد شنقيط أنها "بلاد المليون شاعر" ولم يتردد الذين اطلعوا على الأدب الشنقيطي في التسليم بأن الشعر كان أسبق إلى الظهور من الأغراض الدينية، يقول د. عبد اللطيف الدليشي أن من الشناقطة شعراء فحولا لا يقلون مستوى عن أمثال المتنبي والبحتري وشوقي والرصافي". وهناك دلائل على أن هذه البلاد شهدت نهضة ثقافية وأدبية كبيرة خاصة في القرن 13هـ، فقد كان القوم أهل ذوق في الأدب يكثرون حفظ ذخائره والقصيدة عندهم ذات إيقاع موسيقي جميل، وربما اتخذ الشاعر من شاعرية قومه وفصاحتهم البلاغية شاهدا على عروبتهم مدللا بسليقته الشعرية وبأنه مطبوع على الفصاحة وإن لم يتعلم النحو، ويعجب د. الدليشي لكثرة ما يجد الباحث من الأعداد المتزايدة من هؤلاء الشعراء الفحول المحيدين العريقين في الجزالة اللغوية والصور الشعرية الجميلة الرائعة المبتكرة في شتى الأغراض.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير