وهو يصفر .. وخلفه سار طحبوش متجهين إلى حيث يتوجب على
طحبوش إعطاءه الدرس الأول في المهارات الأخلاقية .. صاح طحبوش:
أزح الحجر عن الطريق يا أخضر فقد يتعثر بها أحد ما ويؤذي نفسه ..
قال الأخضر بعصبية ودون أن يلتفت: أولاً- لست أنا من وضعها هنا ..
ثانياً- لن يتعثر بها إلاغبي .. ثالثاً-ظهري يؤلمني ولا أستطيع رفع قشة ..
قال طحبوش: رابعاً- سأزيحها أنا وأظفر بالأجر فشكراً لك .. التفت
الأخضر وسأل بقلق: أجر أي أجر؟ قطعة جبن مثلاً؟ قال طحبوش:
أجر لا يزول .. هز الأخضر رأسه باستخفاف ورفس برجله باب داره
الذي وصل إليه الان وقال:تفضل ها قد وصلنا .. مد الأخضر يده
إلى جرس الباب فقرعه وصاح:السلام عليكم .. ضحك الأخضر وقال:
أنت تسلم على نفسك فلا أحد هنا أدخل ... ولكنه تذكر شيئاً ما فصرخ
قائلاً: أرجوك انتظرني دقيقة واحدة .. أمر هام جداً ولا يحتمل التأجيل ..
ثم اختفى كالسهم مانعاً طحبوش من الاعتراض أو الاستفسار ...
نظر طحبوش حوله فلم ير في المنزل اي كتاب .. كل ما راه قطع
أثاث فخم وتحف وبقايا علب الطعام الفارغة ... فهز رأسه بأسى ..
لم يطل غياب الأخضر ولكنه لم يحضر وحده بل جاء معه الشرير
وقدحملا الكثير من الطعام والشراب وظهرت عليهما إمارات الابتهاج
صاح الأخضر بجذل: لا تقل لي إنك غير جائع .. سنأكل ونستريح
ونمرح قليلاً وسيكون درسك بعد ذلك أجمل درس في الدنيا ..
ثم التفت إلى الشرير وقال:مارأيك؟ قال الشرير: لن يكتمل الحسن
إلا إذا حضرت فافي وأسمعتنا أجمل أغانيها .. قال الأخضر: فكرة
رائعة لم لا ... صاح طحبوش بحزم شديد:لقد جئت لأعطي درساً
في المهارات لا لاخذ دروساً في المهازل .. أحضرا دفترين وقلمين
وإلا فسأنصرف حالاً ...
يتبع
عظة الجد 8
الدرس بدأ .. طحبوش يفكر .. هل أستخدم طريقة الإلقاء
والتلقين أم طريقة حل المشكلات .. أم أمزجهما معاً ..
ولكنه تذكر أن درسه الأول يجب أن يتركز على سبر
مستوى وعي وفهم طلابه وحجم مخزونهم المعرفي ..
وبناء عليه سيحدد الخطة الدرسية والطريقة لتنفيذها ..
همس الشرير للأخضر قائلاً: أعدك أنه سيكون درساً
مسلياًجداً .. كل ما عليك فعله هو أن تسجل كل كلمة فيها
ما يؤكل أما أنا فسوف أسجل كل كلمة فيها ما يشرب ..
والفائز بأكثر الكلمات يحصل على علبة الطعام الكبيرة
تلك .. قال الأخضر:أنا موافق .. ورنا الطالبان إلى طحبوش
الذي قال أخيراً: لولا ما جاء في عظة الجد من حكمة بالغة
لتبع كل فأر هواه وظنونه ولأصبحنا شراذ م وعصابات
متناحرة .. ولكننا نجتمع حولها اليوم وفيها صلاحنا وقوتنا
في هذه الحياة الزائلة .. وهي نجاة لنا وجواز مرور إلى
الحياة الدائمة الهانئة .. وسجل أعمالنا يحدد مصيرنا
ودرجاتنا والأقوال جزء من الأعمال .. وكل كلمة تقال
تترك أثراً .. فإن كانت طيبة أثمرت ثماراً طيبة وإن كانت
خبيثة هوت بصاحبها في مستنقع اسن .. صفق الأخضر
والشرير استحساناً لأن المعلم ذكر أخيراً أشياء لها علاقة
بالطعام والشراب .. وهمس الشريرمخاطباً الأخضر: لاتقل
لي إن مياه المستنقع لا تصلح للشرب .. لقد شربت منها
حضرتك البارحة ولدي شهود .. قال الأخضرهامساً:
لقد تعادلنا .. قم لنقتسم علبة الطعام .. فلم أعد أحتمل هذا
الدرس الممل .. أومأ الشرير برأسه موافقاً .. فنهض الأخضر
وهو يتثاءب وقال: شكراً لك يا طحبوش .. لا أظنني بحاجة
إلى الدروس بعد اليوم فقد فكرت وقررت أن أعمل بالتجارة
وربما سببت دروسك لي الخسارة ولكنني لن أنساك عندما
أحتاج إلى استشارة .. قال طحبوش:أنا في الخدمة يا أخضر
.. وداعاًإذاً .. ضحك الشرير وراح يرنم:
كل شيء للتجارة
الأواني والمبادي والقذارة
نبض قلبي حلم نومي
والتذاذي بالمرارة
بعت نفسي فاشتريني
يا حوانيت الحقارة
واقبضي مني هرائي
وادعائي للجدارة
أما الأخضر فقد أحس وكأن حملاً ثقيلاًقد أزيح عن كاهله
فاستدار ونظر إلى علبة الطعام .. ثم الى الشرير .. وابتسما ..
يتبع
عظة الجد 9
قال الأخضر للشرير: ماذا فعلنا أيها الصديق؟ لقد
انسحبنا من الدرس وسيقابلنا الجميع بالازدراء والإدانة
.. قال الشرير: اسمع يا أخضر .. نحن انسحبنا لأن طحبوش
أخطأ وزل .. قال الأخضر: ماذا فعل؟ قال الشرير: لقد استغل
موقعه كمعلم بشكل غير مباشر ليجبرنا على تكريمه بشراء
الطعام والشراب .. وكان في مقدوره اللحاق بك ومنعك من
شراءه .. قال الأخضر: ولكنه لم يأكل ولم يشرب .. قال الشرير:
¥