تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

هذا الخطاب قد يكون مختلفا ... قد يكون من أمّهُ أو عن أمّهُ ... يتمتم في ألم ٍ ... يالا تعاثتك يا تَيم ... ماذا لو فتحته ولم يكن منها ماذا لو كان عنها ... كانت أمّهُ في آخر خطاب تُعاني من فجيعة فقدان الزوج كما أن سفر ابنها الوحيد الدائم وعدم عودته منذ آخر مرة التي كانت قبل ألفي عام ... مصيبتان كبيرتان لا يتحملهما أي امرىء ... وقد استشف تَيم هذا من خلال كلماتها الحزينة ونبرة صوتها في خطابها السابق ... فلم تحدثه عن أشياءه التي دائما ما تخبره أنها تعتني بها كما لو كان موجوداً تماما ... وما حدثته بلوم ٍعن افتقادها وعتبها على ريم حبيبته وأنها ما زارتها منذ أن سافر ... فلم تكتب له تلك العبارة التي لن ينساها ما عاش أبدا ... " تيم إنَّ فتاتك الدمشقية مازارتني فلن أكمل لك المسرحية " ... يظل تيم عقب قراءته تلك الجملة يضحك حتى تُجنُّ قواه الجسدية ويخر واقعاً ... فيفسر لمن بجانبه إن كان هناك رفيقاً من رفاقه ... فيقول ... هي تخبرني يا عزيزي أنها لن تتم زيجتنا أنا وريم منيّة قلبي وعمري ... لأن ريم ما ذهبت إليها منذ أن سافرت ولو لمرة واحدة ... ولكني أعلم أنها تمزح ... فيصمت قليلا ... فيكتب ... يا أمي إن كنتِ مازلتِ عندك في حيّنا الدمشقي القديم وإن كانت هناك بقايا من بقاياك ... خبزٌ ووردٌ وسجّادة صلاة عليها أنتِ في صلاتك يقوّمني دعاؤك ... أنا يا أمي لا أريد أن أفتح خطابك الأخير ... لأني أخشى أن لا يكون منك بل عنكِ ... وإني لا أتخيل الشام أو أي مكان آخر من العالم حتى مكاني هذا دونكِ يا أمَّاه ... فإن كنتِ على قيد الحياة ... فسأعرف في إطلالة المآذن على شاشة التلفاز ولمعان النجوم ... وهفيف الكروم ... عندما يقتربان مني ... وإن كنتِ غيرَ ذلك ... فما الداعي لفتحه فما الداعي بأن يَنقطع الوصل بيننا أما كفانا انقطاعه بالغربة ... هل سيكون أيضاً على آخر أمل كان يجمعنا ... هل من المفترض أن يُقطَعَ الوصل أيضاً حتى على الورق ... أمي إن كنتِ حيّة هنا في الأرض ... أرضنا الدمشقية في بيتنا الأمُوي ... أو إن كنتِ حيّة في لحدنا الأمُوي أيضا ... لن أفتح خطابك الأخير ... أريدك أن تبقي كما أنتِ حتى أعود ... كما أتمنى ألا تعتبي على ريم فإنها أخبرتني سر الابتعاد عنكِ ... هي لا تُريد أن تجدد أحزانك ... كما أنها تنتظر عودتي لنزورك معاً لنفاجئكِ معاً ... لنحبك معاً .. لنعوضك عن الأحزان معاً ... لنسقي زروع البيلسان معك ... لنعانق المطر في تشرين معكً ... ونجلس حول المدفأة في أيلول معك ... أيا ريم أيا أمي ... أيا أمي أيا ريم ... فالتعذراني لن أفتح بعد اليوم سوى خطابكما القديم ... تَيم.

الغربة القاسية المرة

تعيث بأفئدتنا وتنأى بنا عن أحبابنا، تلوع الحاضر والغائب، تشت بنا عن ملاعب الصبا ومرابع الهوى، تزرع الجفاء بين الأحباب، تحارب ذكرياتنا الحلوة تشدنا إليها لتنسينا عطر الياسمين الذي صار من ضوع أنفاسنا،تريد أن تشط بنا عن الحجارة الصماء والتي حفظنا عددها في جدران ذلك البيت الدمشقي القديم، فأصبحت لبنة من لبنات عمرنا نعدها كما نعد سني عمرنا التائهة الضائعة في غربة لانكن لجدران قصورها إلا كما يكن الطائر السجين في قفصه الذهبي من شعور بالرهبة وتمني الخلاص، تلك الحجارة الصماء في جدران البيت القديم مزروعة في حنايا الضلوع نحن إليها كما يحن الطفل لأمه فكم ضمتنا بين ذراعيها وكم ضحكت معنا في ليالي الشتاء نشوي الكستناء على مدفأة الحطب القديمة، أذكرُ كم سمعَتْ معي حكايات جدتي وهي تحكي حيناً وتغفو حيناً آخر فأوقظها راجية أن تكمل حكاية الشاطر حسن والأميرة النائمة، فتعتب علي الجدران لأنها غفت مع جدتي وأيقظها رجاءُ طفلة صوتُها لايكاد يخرج من النعاس قتنظر إليها عاتبة وتنفخ في أهدابها لتنام في حضن الجدة وهي تأمل بحكاية جديدة مساء الغد عن الشاطر حسن.

أيتها القاسية القاتلة: خذي مالك وأعيدي لنا الغائب البعيد القريب، خذي قصورك وورودك الجافة القاسية بألوانها وروائحها الغريبة الغالية الثمن وأعيدي لي عبق الياسمين والفل وزهر الليمون والكباد، بل خذي روحي وأعيدي لي رفة هدب من نسائم الربيع من خرخرة نافورة البحرة الصغيرة في ساحة الدار، من رفرفة عصافير الدالية المستلقية هناك فوق شجيرة الورد الجوري

أعيديه لنا ولك كل ما رحل من أجله، أتكفيك حبات القلوب؟ أتكفيك أنفاس الروح؟ بل وزيادة، بل وزيادة، خذيها ليعود!

بارك الله فيك أخي نور الدين قصة معبرة رائعة حقاً، سيعود تيم إلى أمه وخطيبته، فمن شرب من ماء الشام لايستطيع إلا أن يعود، فلن يرويه ماء الدنيا ومن تذوق عنبها وزار غوطتها سيعود بإذن الله مهما طال الزمان، سيعود.

ـ[نُورُ الدِّين ِ مَحْمُود]ــــــــ[28 - 05 - 2009, 01:24 م]ـ

إنها الغربة .. تسلبنا الكثير الكثير .. ولكننا نبقى صامدين متسلحين بالأمل .. سنعود بزاد كبير ثمين لنرد لوطننا جزءا صغيرا مما وهبنا .. لنعوض أهلنا وأمهاتنا عن سنوات من الفقد والحرمان .. !!!!!!

أما دمشق -فرشت فوق ثراك الطاهر الهدبا- فهي قابعة في الأعماق .. معنا في حلنا و ترحالنا ... حمائم الجامع الأموي تحلق حول أرواحنا .. وعطور الياسمين الدمشقي تعبق من أنفاسنا .. ومعدننا الدمشقي الأصيل خير حارس لنا في كل مكان .... من أين نبدأ مع دمشق.??.أم أين ننتهي.??? .. حفظها الله وسائر بلاد المسلمين

اركبي الشمس يا دمشق حصانا****ولك الله حافظ و أمين

شكرا على كلماتك الجميلة المفعمة بالحزن والغربة وحب الوطن

إن كان التسلح بهذا الشكل .. حيث جميل الكلمات التي قدمتيها لنا ... فإنه لا للغربة معنى وإنها حتما تهون ما دام هناك هذا الإرث الكبير بداخل العقل والوجدان .. وهذا العبق عن الشام .. هون الله غربة كل مغترب .. بارك الله فيكِ أختي الكريمة أمتعني مرورك زادك الله من فضله وعلمه ..

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير