تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الصبر على مشتهيات النفس (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ .. ) (المنافقون:9)، ولذلك قال بعض السلف: " ابتلينا بالضراء فصبرنا وابتلينا بالسراء فلم نصبر .. ! ".وقالوا: " البلاء يصبر عليه المؤمن والعافية لا يصبر عليها إلا صدّيق".

والصبر على مشتهيات النفس لابدّ أن يكون من وجوه أربعة كما قال ابن القيم رحمه الله:

أن لا يركن إليها ولا يغترّ بها.

أن لا ينهمك في نيلها ويبالغ في استقصائها.

أن يصبر على أداء حق الله فيها.

أن لا يصرفها في حرام.

الصبر عن التطلع إلى ما بيد الآخرين، وعن الاغترار بما ينعمون به من مال وبنين، فبعض قوم قارون ما صبروا فقالوا: ( .. يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ .. ) (القصص:79)، والله تعالى قال: (أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ) (المؤمنون)

(وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ .. ) (طه:131) إنما أعطيناهم ( .. لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى) (طه:131) الصبر على طاعة الله، وهذا أعظم أنواع الصبر وأشده على النفوس ( ... فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ .. ) (مريم:65) اصطبر أكمل وأبلغ من اصبر فالزيادة في المبنى تدل على الزيادة في المعنى (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا .. ) (طه:132) على الصلاة وعلى أمر الزوجة بالصلاة،

والصبر على الطاعة له ثلاث أحوال:

قبل الطاعة بتصحيح النية وطرد شوائب الرياء.

بحال الطاعة أن لا تغفل عن الله فيها ولا تتكاسل عن أدائها وتراعي واجباتها وأركانها والخشوع في الصلاة.

بعد الفراغ منها بأن لا تفشي ما عملت وتُعجَب به وتُسَمّع به في المجالس ( .. لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى .. ) (البقرة:264) ( .. وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ) (محمد:33) الصبر على مشاق الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى فإنه غير خافٍ على الدعاة حال الناس اليوم من البعد عن الدين و البعد هذا يستلزم دعوة كبيرة وإنكاراً للمنكرات وصدع بالحق، عمر بن عبد العزيز لما استشعر المسؤولية الكبيرة في تغيير الانحرافات المتراكمة من سنوات طويلة في العهود السابقة قال: "إني أعاجل أمراً لا يعين عليه إلا الله" .. !.فنوح عليه السلام صبر هذا الصبر العظيم في الدعوة 950 سنة، ألف سنة إلا خمسين عاماً على جميع أنواع الابتلاءات (قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً *فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائي إِلَّا فِرَاراً) (نوح) وهكذا سراً وجهاراً ما ترك فرصة إلا قام بالدعوة، ثم الدعوة ليست عملية سهلة لأن الإنسان يجد كيد من الأعداء وحسد حتى من الناس الذين يظنهم معهم والقريبين منه على ما آتاه الله من فضله فيتمنون أن يوقع به ويضر ويتوقف ولذلك لابد للداعية أن يصبر في الداخل والخارج، القريبين والبعيدين، مع الناس الذين هم ضده علناً أو الذين يضمرون له الشر في داخل أنفسهم، (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً .. ) (آل عمران:186)، والحل ( .. وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (آل عمران:186)، (وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً) (المزمل:10) الرسل كان من رأس مالهم وبضاعتهم الصبر على إيذاء أقوامهم بل أكّدوا على ذلك وقالت الرسل لأقوامهم: ( .. وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) (ابراهيم:12) (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا .. ) (الأنعام:34) وهكذا يصبر الداعية على طول الطريق وعقباته وبطء النصر وتأخره، (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير