هل خير ابليس أم سُيِّر
ـ[أحمد الخضر]ــــــــ[10 Jul 2007, 09:55 ص]ـ
الأخوة الأفاضل السلام عليكم و رحمة الله وبركاته
سئل في احدى المنتديات سؤال لم آنفه من قبل وهو "هل خير ابليس أم سُيِّر"
أي أن الله عزوجل قدر ان يبتلي آدم بواسطة وسوسة ابليس فماذا لو أن ابليس أطاع الله وسجد لآدم فهل سيكون الابتلاء بغيره؟
وهل قدر الله ان يبتلي آدم بواسطة وسوسة ابليس لعلمه الأزلي بأن ابليس سيعصي الله وسيكون عدوا لآدم؟
والسلام عليكم و رحمة الله
ـ[أحمد البريدي]ــــــــ[10 Jul 2007, 01:49 م]ـ
هذه المسألة متعلقة في أعمال العباد والتي تبحث في باب القضاء والقدر , والناس فيها طرفان ووسط:
القسم الأول: مَن يرونَ أنّ الإنسانَ مُجْبر على العمل؛ لا يفعلُ شيئاً باختيارٍ أبداً؛ وما فِعْلُه الاختياري إلا كَفِعْلِه الاضطراري: فمَن نزلَ مِن السطْحِ على الدَرَج درجةً درجةً هو كَمَنْ سقطَ بدونِ عِلْمه مِن أعلى السطْحِ؛ وهذا مَذْهبُ الجبْريَّةِ مِن الجهميّة؛ وهو مَذْهبٌ باطلٌ تردُّه الأدلّة السمعية، والعقلية.
القسم الثاني: مَن يرونَ أنّ الإنسانَ مستقلٌّ بعمله، وأنّ الله ? لا يُصرِّفُ العبدَ إطلاقاً؛ فالعبدُ له الحريةُ الكاملة في عمله، ولا تَعلُّقَ لمشيئة الله به، ولا تَعلُّقَ لتقديرِ الله، وخَلْقِه بعملِ الإنسان، وهذا مَذْهبُ المعتزلةِ القَدَرِيّة؛وهو مَذْهبٌ باطلٌ للأدلّة السمعية، والعقلية.
وكِلا القِسْمَين مَع بُطْلانهما يلزم عليهِما لوازم باطِلة.
القسم الثالث: يرونَ أنّ فِعْلَ العبدِ باختياره؛ وله تَعلُّقٌ بمشيئة الله؛ فمتى فَعَلَ العبدُ الفِعْلَ عَلِمْنَا أنّ الله تعالى قد شاءَه، وقدَّره؛ وأنّه لا يمكنُ أن يقعَ في مُلْكِ الله ما لا يُريد؛ بلْ كلّ ما وقعَ فهو مُرادٌ لله مخلوقٌ له؛ ووجْهُ كَوْنِ فِعل العبدِ مخلوقاً لله: أنّ الإنسانَ مخلوقٌ لله؛ وفِعْله كائن بأمرين: بعزيمةٍ صادقة؛ وقُدْرَة؛ والله ? هو الذي خَلَق العزيمةَ الصادقةَ، والقُدْرَة؛ فالإنسانُ بصفاتِه، وأجزائِه، وجميعِ ما فيه كُلّه مخلوقٌ لله ?.
هذا القولُ الوسَطْ هو الذي تجتمعُ فيه الأدلّة جميعاً؛ لأنّ الذين قالوا: " إنّ الإنسانَ مُجْبر " أخذوا بدليلٍ واحد، وأطلقوا مِن أيديهم الدليلَ الآخر؛ والذين قالوا:" إنه مستقل " أخذوا بدليلٍ واحد، وأطلقوا الدليلَ الثاني مِن أيديهم؛ لكن أهل السنّة والجماعة - والحمد لله - أخذوا بأيديهم بالدليلَيْن؛ وقالوا: الإنسانُ يَفْعَلُ باختياره؛ ولكن تصرُّفه تحتَ مشيئةِ الله ?؛ ولهذا إذا وقعَ الأمرُ بغير اختياره رُفع عنه حُكْمُه: فالنائم لا حُكم لفِعْلِه، ولا لِقَوْلِه؛ والمُكْرَه على الشيء لا حُكم لفِعْلِه، ولا لِقَوْلِه؛ بلْ أبلغُ مِن ذلك: الجاهلُ بالشيءِ لا حُكم لفِعْلِه مع أنّه قد قَصَد الفِعْلَ؛ لكنّه لِجَهْلِه يُعفَى عنه؛ كلّ ذلك يدلُّ على أن الله ? رحيمٌ بِعباده
ومَنْشأُ الضلالِ في القَدَر هو التسْوِيَةُ بينَ الإرادةِ الشرعيّة والإرادةِ الكوْنيّة كما فعَلَتْ الجبْريَّةُ والقَدَريَّةُ.
فالقَدَريَّةُ قالوا: إنّ المعاصيَ والذنوبَ ليْسَتْ محبوبةً لله، ولا مَرْضِيَّة؛فليْسَتْ مُقَدَّرةً ولا مَقْضِيَّة، فهيَ خارجةٌ عنْ مَشيئَتِه وخَلْقِه.
والجبْريَّةُ قالوا: الكَوْنُ كلُّه بِقضَاءِ الله وقَدَرِه فيكونُ مَحْبوبًا مَرْضيًّا.
ومَذْهبُ أهل السنّة والجماعة هو التفْريقُ بينَ الإرادَتَيْن
قال ابن عثيمين رحمه الله عند تفسيره لقوله تعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} (البقرة: من الآية253):" ومِنْها - ايْ مِن فوائدها – إثْباتُ الإرادة لله لقوله تعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} والإرادةُ التي اتَّصَفَ الله بها نوْعان: كَوْنِيَّةٌ، وشَرْعيَّةٌ؛ والفرْقُ بينهما مِن حيث المعنى؛ ومِن حيث المتعلّق؛ ومِن حيث الأثر؛ مِن حيث المعنى: " الإرادةُ الشرعيّة " بمعنى المحبّة؛ و " الإرادةُ الكونيّة " بمعنى المشيئة؛ ومِن حيث المتعلّق: " الإرادةُ الكونيّة " تتعلَّق فيما يحبُّه الله، وفيما لا يحبُّه؛ فإذا قيل: هل أرادَ الله الكُفْرَ؟ نقول: بالإرادة الكونية: نعم؛ وبالشرعية: لا؛ لأن " الإرادةَ الكونيّة " تشمل ما يحبُّه الله، وما لا يحبُّه؛ و " الإرادةُ الشرعيّة " لا تتعلق إلا فيما يحبُّه الله؛ ومِن حيث الأثر: " الإرادةَ الكونيّة " لا بُدَّ فِيها مِن وقوعِ المُراد؛ و" الإرادةُ الشرعيّة " قد يقعُ المُراد، وقد لا يَقعْ؛ فمثلاً: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ} (النساء: من الآية27): الإرادةُ هنا شَرْعيَّةٌ؛ لو كانَت كَوْنيَّةً لكانَ الله يتوبُ على كلِّ الناس؛ لكن الإرادة شَرْعيَّة: يُحِبُّ أن يتوبَ علينا بأنْ نفعلَ أسبابَ التوبةِ.
فإنْ قِيل: ما تقولونَ في إيمانِ أبي بكرٍ؛هل هو مرادٌ بالإرادةِ الشَرْعيَّة، أو بالإرادةِ الكَوْنيَّةِ؟ قُلنا: مُرادٌ بالإرادَتَيْنِ كِلْتَيْهِما؛ وما تقولونَ في إيمانِ أبي طالب؟ قُلنا: مرادٌ شرعاً؛ غيرُ مُرادٍ كوناً؛ ولذلك لَمْ يَقع؛ وما تقولونَ في فِسْقِ الفاسِق؟
قُلنا: مُرادٌ كَوْناً لا شَرْعاً؛ إذاً نقول: قد تجتمعُ الإرادتانِ، كإيمان أبي بكر؛ وقد تنتفيانِ، مثلَ كُفْرِ المسلم؛وقد توجدُ الإرادةُ الكونيةُ دونَ الشرعيةِ،مثلَ كُفْرِ الكافر؛ وقد توجدُ الشرعيةُ دونَ الكونيةِ، كَإيمانِ الكافر
¥