الخط العربي .. ذروة الجمال وقمّة الإبداع (أحمد عبيد)
ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[13 Apr 2007, 03:39 م]ـ
الخط العربي .. ذروة الجمال وقمّة الإبداع
أحمد عبيد
مجلة حراء - العدد: 7 (أبريل - يونيو) 2007
رابط المقال ( http://www.hiramagazine.com/archives_show.php?ID=138&ISSUE=7)
ما زلتُ أذكر كلمات أستاذ مادة المخطوط العربي في الجامعة حين كان يقول: "لا تجد أمةً من الأمم تجعل من الكتابة عنصرا جماليا مثل أمتنا
الإسلامية، فأنتَ تُعلق على جدران بيتك آيات قرآنية ليس فقط للتبرك، ولكن لجمال خطوطها وروعة تكوينها".
نعم، فلكل أمة فنونها التي تعتز بها وتعتبرها جزءا من حضارتها وتراثها. ويعد الخط العربي أهم ما نفخر به من بين فنوننا الإسلامية والعربية؛ فهو فن عربي إسلامي برع فيه أجدادنا وتفننوا فوصلوا إلى مرتبة الأصالة وبلغوا في أنواعه وتصميماته وزخارفه درجة العظمة والخلود. وقد عبر الخط العربي خلال مساره الطويل عن ملامح حضارتنا العربية الإسلامية، وعكس روحها وطبيعتها، ومثّل تطورها ومعاناتها.
فقد استمر الخط العربي في تاريخ الفن العربي الإسلامي تيارا له شخصيته المعبرة عن كل عصر؛ فكان كالكائن الحي ينمو ويتفرع ويتجدد باستمرار حتى بلغت أنواعه اثنَين وثمانين نوعا متميزا مات بعضها واندثر، لأنه لم يكن محاولة أصيلة للتجديد ولم يستطع أن يعكس الضروريات الاجتماعية لحياة الناس، وعايش البعض الآخر حياة الناس فتجلّت في حروفه عبقريةُ الفنان العربي المسلم حتى بلغت ذروة الجمال وقمة الإبداع. ولا نظن أن أمة من الأمم قد تداولت الكتابة بهذا الشكل فجعلت منها فنًّا قائما بذاته كما حدث في حضارتنا العربية الإسلامية؛ فكان الخط العربي ولا زال أصل الفنون جميعها لأنه يستمد نبله وشرفه من كتابة آيات القرآن الكريم.
الخط العربي من البداوة إلى الفنون
تلقّى العرب الكتابة وهي على حالة من البداوة الشديدة، ولم يكن لديهم من أسباب الاستقرار ما يدعو إلى الابتكار في الخط الذي وصل إليهم، ولم يبلغ الخط عندهم مبلغ الفن إلا عندما أصبحت للعرب دولة تعددت فيها مراكز الثقافة ونافست هذه المراكز بعضها بعضا على نحو ما حدث في الكوفة والبصرة والشام ومصر؛ فاتجه الفنان المسلم للخط يحسّنه ويجوّده ويبتكر أنواعا جديدة منه.
وقد كان العرب يميلون إلى تسمية الخطوط بأسماء إقليمية لأنهم استجلبوها من عدة أقاليم فنسبوها إليها مثلما تنسب السلع إلى أماكنها؛ لذلك عُرف الخط العربي قبل عصر النبوة بالنبطي والحيري والأنباري، لأنه جاء إلى بلاد العرب مع التجارة من هذه الأقاليم. وعندما استقرّ الخط العربي في مكة والمدينة وبدأ ينتشر منها إلى جهات أخرى عُرف باسمَيهما المكي والمدني.
إلا أن الخط العربي لم يقدّر له أن ينال قسطا من التجديد والإتقان إلا في العراق والشام بعد أن فرغ المسلمون إلى التجويد والإبداع فيه بعد أن فتح الله عليهم البلاد وأصبحت لهم عمارة وفنون واحتاجوا إلى الدواوين. وما يقال عن العراق يمكن أن يقال عن الشام كذلك؛ فقد اتسعت رقعة الدولة في العصر الأموي، وأصبحت دمشق عاصمة الأمويين، وظهر في هذا العصر الترف والميل إلى البذَخ والتحضر، ونشطت حركة العمران فظهرت الكتابات على الآنية والتحف واعتُني بكتابة المصاحف وزَخرفتها.
وفي العصر العباسي ترسّخت الكتابة وازدهرت الخطوط وتنوعت واختص كل إقليم بنوع من الكتابة. وجدير بالذكر أن الأقلام (الخطوط) في ذلك العصر كانت تسمى بمقاديرها كالثلث والنصف والثلثين، كما كانت تنسب إلى الأغراض التي كانت تؤدّيها كخط التوقيع، أو تضاف إلى مخترعها كالرئاسي نسبة إلى مخترعه. ولم تَعد الخطوط بعد ذلك تسمى بأسماء المدن إلا في القليل النادر.
¥