[سلسلة دروس في مصطلح الحديث]
ـ[ماهر الفحل]ــــــــ[25 Apr 2007, 04:29 م]ـ
الصحيح
الحديث الصحيح: هو ما اتصل إسناده برواية عدلٍ تمَّ ضبطهُ عن مثلهِ إلى منتهاه، ولم يكن شاذاً ولا معلاً.
فيظهر من هذا التعريف أن شروط صحة الحديث خمسة:
الأوّل: الاتصال، وهو سماع الحديث لكل راوٍ من الراوي الذي يليه.
ويعرف الاتصال بأحد أَمرين:
الأول أن يصرح الراوي بإحدى صيغ السّماع كأن يقول الراوي: حدثنا، أو حدثني، أو أَخبرنا، أو أخبرني، أو أَنبأنا، أو أنبأني، أو سمعت، أو قال لي، أو قال لنا، أو نحوها من صيغ السماع.
الثاني: أن يأتي الراوي بصيغةٍ تحتمل السّماع وغير السّماع، كأن يقول الراوي: عن، أو أن، أو
قال، أو حدث، أو روى، أو ذكر، وغيرها من الصيغ التي تحتمل السّماعَ وعدم السّماع.
فهنا تشترط ثلاثة أمور:
الأول: عدم التدليس.
الثاني: المعاصرة.
الثالث: ثبوت السّماع.
وقد اكتفى مسلم بالشرطين الأوليين، أما الشرط الثالث فقد اشترطه البخاري، وشيخه علي بن المديني، واشتراطه قول جمهور أهل العلم.
وباشتراط الاتصال يخرج: المنقطع، والمعضل، والمعلق، والمدلس، والمرسل.
أما الشرط الثاني: فهوَ العدالة: وهي هيئة راسخة في النفس تمنح صاحبها عدم فعل الكبائر، وَعدم الإصرار على الصغائر، وَعدم فعل ما يخرم المروءة.
أمّا الشرط الثالث: فهو الضبط: وهو تيقظ الراوي حين تحمله وفهمه لما سمعه، وضبطه لذلك من وقت التحمل إلى وقت الأداء.
والضبط ضبطان: ضبط صدرٍ، وضبط كتاب، ويلخص مما ذكر في الضبط بقولنا: أنْ يكون الراوي حافظاً عالماً بما يرويه، إن حدث من حفظه، فاهماً إن حدث على المعنى، وحافظاً لكتابه من دخول التحريف أو التبديل، أو النقص عليه إن حدث من كتابه.
وفي اشتراط الضبط احترازٌ عن حديث المغفل، وكثير الخطأ، وسيئ الحفظ، والذي يقبل التلقين. وهذه الشروط (الاتصال، العدالة، الضبط) الثلاثة تتعلق بالإسناد.
أما الشرط الرابع: فهو عدم الشذوذ، والحديث الشاذ هو الذي خالف فيه راويه من هو أوثق منه عدداً أو حفظاً.
أمّا الشرط الخامس: فهو عدم العلة هو أنْ لا يكون الحديث معلاً، والحديث المعل هو ما اطلع فيه على علةٍ خفيةٍ تقدح في صحته، مع أنْ الظاهر سلامة الحديث من العلة.
وينقسم الحديث الصحيح إلى قسمين: صحيح لذاته وصحيح لغيره، فالصحيح لذاته هو ما تقدم تعريفه، وقلنا: لذاته؛ لأن صحته ناشئة من نفسه دون إضافة شيء.
أما الصحيح لغيره: فهو الحديث الحسن الذي ارتقى بمتابع أو شاهد.
وقد تكلم العلماء في أصح الأسانيد فقيل: أصحها الزهري، عن سالم، عن أبيه.
وقيل: الأعمش، عن إبراهيم النخعي، عن علقمة بن قيس، عن عبد الله بن مسعود.
وقيل: مالك، عن نافع، عن ابن عمر.
وقيل: محمد بن سيرين، عن عَبيدة بن عمرو السلماني عن علي.
وهذه تنفع عند الاختلاف، فما قيل فيه: أصح الأسانيد يرجح على غيره، وكذا يعرف به صحة الحديث.
وإذا قال المحدثون: صحيح الإسناد، أو إسناده صحيح، فهذا معناه: أنْ الحديث قد استكمل شروط الصحةِ الثلاثةِ الأولى، ولا يلزم منه أن يكون صحيحاً؛ إذ قد يكون شاذاً أو معلاً فلا يلزم من صحة الإسناد صحة المتن، ولا من ضعف الإسناد ضعف المتن، وهذا ليس على إطلاقه.
وإذا قال المحدثون: أصحُ شيءٍ في الباب فلا يعنون صحته، وإنما يعنون أنه أمثل شيءٍ في الباب.
أما أول من صنّف في الصحيح المجرد فهو الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة المولود سنة (194 ه)، والمتوفى سنة (256 ه)، وقد طلب العلم صغيراً وله أحد عشر عاماً، وكان من أوعيةِ العلم، وكتابه أصحُ كتابٍ بعد كتاب الله، واسم الكتاب " الجامع الصحيح المسند المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننهِ وأيامهِ ".
ويستفاد من قوله: (الجامع) أنه يجمع الأحكام والفضائل والأخبار عن الأمور الماضية، والآتية، والآداب، والرقائق، والتفسير.
ويستفاد من قوله: (الصحيح) أنه احترز عن إدخال الضعيف في كتابهِ، وقد صح عن الإمام البخاري أنّه قال: ((ما أدخلت في كتابي الجامع إلا ما صح)).
¥