[نحن وجرأتنا على الذنوب .. !!!]
ـ[محمود الشنقيطي]ــــــــ[08 Mar 2007, 02:06 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده , وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد:
فإن الناظر بعين البصيرة والتحقق إلى واقعنا الأليم مع الذنوب والمعاصي واقترافها ليجد من نفسه وغيره – إلا من رحم الله- حالاً عجيبة تستوقف ذوي الألباب , فكثيرٌ من الناس اليوم –وما أبرئ نفسي – أصبح معتاداً على مشاهدة وسماع واقتراف المنكرات وغشيان مجالس السوء , مع العلم التام من قِبَل أولئك بنصوص الوعيد المترتبة على هذه الممارسات, فمثلاً الكذبُ الذي نهى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم عنه , وتُوُعِّد صاحبه بالانتهاء إلى قرارة الفجور ومن ثمَّ إلى نار جهنم , لم تعد تقشعرُّ منه أبدان فئام من الناس , والمستبصر بواقع التنافس بين الناس في الدراسة والوظائف والمناصب والانتدابات والتأليف والسبق إلى فكرةٍ معينة أو ابتكار جديد وغير ذلك من مجالاتٍ لا يرى المتنافسون فيها بأساً بالكذب والزور لتحصيل منفعة دنيويةٍ عاجلة زائلة , يرى العجب العجاب ,وما أشد وقعَ هذه الآلام ومرارتها وفظاعتها حين تصدر من أقوام تنتظر المجتمعات منهم أن يكونوا قدوةً لناشئتها , ومصدراً يلتمسون منه الحكمة والديانة الحسنة والأخلاق الحميدة فأين النصوصُ الشرعية التي توعدت الكذاب بعدم الفلاح والمصير إلى جهنَّم ونزع البركة مما جناه من طريق البهتان والزور, فهل نحن نعلم هذه النصوصَ حقاً, وفي تصديقنا وجزمنا بوقوعها شك وريبٌ أم ماذا .. ؟؟ وهل نسي أحدنا أو تناسى حين ضعف نفسه أو إقدامها على ذلك قول الله (أفمن يلقى في النار خيرٌ أم من يأتي آمناً يوم القيامة) , وهل يعتبرُ هذا من الأمن لمكر الله تعالى , كما قال إسماعيل بن رافع رحمه الله: من الأمن لمكر الله إقامةُ العبد على الذنب يتمنى على الله المغفرة) أم أن الحال بلغ بالبعض مبلغاً ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون , عياذاً بالله.
وفي زاويةٍ أخرى من زوايا الجرأة على الذنب وعدم معاملة نصوص الوعيد الشديد بما يليق بها من الحذر والخوف والفزع كما كان حال سلفنا الصالح رحمة الله عليهم, نجد استهتاراً بالمناهي الشرعية وتتبعاً للرخص وشواذ الأقوال , وركضاً لإيجاد المخارج والحيل في أمور الدنيا , يقابلة تأنٍّ شديد , وسؤالٌ كثير واسترشاد بآراء ذوي الحكمة في أمور الدنيا , فما سبب هذا التناقض , هل هو راجعٌ إلى عدم التصديق الكامل واليقين التام بأن الدنيا بأسرها لا تساوي عند الله جناح بعوضة ,ومن ذلك: التساهل في أكل الربا والتعامل به , مع العلم بأن الله لعن آكله وموكله وكاتبه وشاهديه , وأن الدرهم الواحد منه أشد عند الله من ست وثلاثين زنية , وأنه بضعٌ وسبعون شعبة أدناها مثل إتيان الرجل أمَّه, والعياذ بالله وفي الوقت ذاته تجد أحد أولئك لا ينفق درهما في الاستثمار والاتجار إلا بعد بحث وتقصٍّ شديدين يود معهما الدرهمُ أن لولم يقع في يديه .. !!
وإن أخشى ما أخشاه على نفسي وعلى أولئك هو أن تنشغل أذهاننا بترقب العقوبات الحسية ونطمئنَّ بعدم وقوعها, ونمني أنفسنا بالتوبة والإقلاع , ونسهى عما هو أشد من ذلك هو العقوبة التيلايشعر بها العبد كما يقول ابن الجوزي رحمه الله تعالى (وربما دبت العقوبة في الباطن دبيب الظلمة إلى أن يمتلىء أفق القلب فتعمى البصيرة) والعياذ بالله.
وأحسِب أن من مداخل الشيطان لعنه الله هو إيراد نصوص المعفرة في مثل هذه الساعات , لترتاح النفس إلى غشيان الإثم ومزاولته ,كقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن عبدا أذنب فقال رب أذنبت ذنبا فاغفر لي قال الله تعالى علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به غفرت لعبدي ثم مكث ما شاء الله ثم أذنب ذنبا آخر فذكر مثل الأول مرتين أخرتين) وفي رواية لمسلم أنه قال في الثالثة (قد غفرت لعبدي فليعمل ما شاء) يقول ابن رجب -رحمه الله تعالى- في جامع العلوم: والظاهر أن مراده الاستغفار المقرون بعدم الإصرار ولهذا في حديث أبي بكر الصديق عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة خرجه أبو داود والترمذى والاستغفار باللسان مع إصرار القلب على الذنب فهو دعاء مجرد إن شاء الله أجابه وإن شاء رده وقد يكون الإصرار مانعا
¥