تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

جداً. وتاجر مسلم يريد أن يطهر أمواله من الربا، وينقيها من الحرام، يحس بأن هذا العمل شاق وصعب وشديد. الإنسان مع إخوانه في الله وهو يعيش معهم قد ينزغ الشيطان بينه وبينهم في أشياء كثيرة، وتعاملات عديدة، فلا يعجبه تصرف من هذا، أو قولة من ذلك .. إلى آخر تلك الأمور التي تحدث، مما يجعل الإنسان -أحياناً- يفكر في أن يترك إخوانه في الله -مثلاً- فكونه يجلس معهم ويجاهد نفسه للبقاء معهم أمرٌ عسير وشاق؛ هذه الأمور وغيرها -أيها الإخوة- مزاولتها تحتاج إلى صبر شديد؛ هذا الصبر الذي سنتحدث عنه، هو الذي يسهل هذه الأمور ويذلل الصعاب أمام الإنسان المسلم وهو يسير في طريقه إلى الله تعالى. فتعالوا بنا لنتعرف على هذه الكلمة العظيمة (كلمة الصبر) ونعرف معناها في اللغة والشرع؟ وكيف أتت في القرآن والسنة؟ وما هي أقسام الصبر؟ وما هي الأسباب الجالبة له؟ وما هي أنواعه من حيث تعلقه بأشياء كثيرة؟

اشتقاقات كلمة الصبر في اللغة:

اعلموا -رحمكم الله- أن أصل هذه الكلمة -كلمة الصبر- معناها في اللغة: المنع والحبس. يقال: صبر يصبر صبراً، وصبر نفسه، كما قال تعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ [الكهف:28] معنى وَاصْبِرْ نَفْسَكَ [الكهف:28] أي: احبس نفسك، وامنعها عن تركها هؤلاء، اصبر نفسك معهم واحبسها. ويقال: "الصبر هو حبس النفس عن الجزع، واللسان عن التشكي، والقلب عن السخط". وكلمة الصبر لها اشتقاقات كثيرة في اللغة تتعلق بما نحن بصدده، من بيان معنى الصبر، فمن اشتقاقاتها -مثلاً- صبر، وتصبر، واصطبر، وصابر، وغيرها .. من الاشتقاقات، وكثير من هذه الألفاظ وردت في القرآن الكريم، بحيث يحتاج المسلم أن يعرف ما هي الفروق بين هذه الألفاظ؟ يقال للإنسان: صبر إذا أتى بفعل الصبر، وإذا تصبر الإنسان المسلم يقال: تصبر إذا تكلف الصبر واستدعاه، تكلف إحضار الصبر إلى نفسه، واستدعى هذا الصبر، فيسمى عندئذٍ تصبر، أي: جلب الصبر واستدعاه وتكلف حضوره، وهذه اللفظة كما يقول شيخ الإسلام رحمه الله في الفتاوى: هي المعنى الوارد في قول الله عز وجل: وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ [البقرة:177] فقال: البأساء: هو الفقر، والضراء: كل الأذى الذي يحدث في البدن، مثل: المرض .. وغيره فالصابرين في البأساء والضراء، أي: المتصبرين على البأساء والضراء. الذي يصبر ويستدعي الصبر ويتكلف الصبر، وهو يعيش في جو البأساء ومرارة الحاجة، هذا يسمى متصبر؛ لأنه قد جلب الصبر واستدعاه وتكلف حضوره. وكذلك يقال في اللغة: اصطبر، أي: تعلم الصبر واكتسبه، فالإنسان إذا كان يتعلم الصبر، ويحاول أن يكتسب الصبر، فإنه يسمى: مصطبراً. وهذه اللفظة تقودنا إلى شيء مهم جداً: هل الصبر خلق يكتسب؟ أم هو خلق فطري يولد مع الإنسان ولا يمكن الزيادة فيه ولا النقصان منه؟ الصحيح في هذه المسألة: أن الصبر من الفطر التي يفطر الناس عليها، فترى بعض الناس من طبيعتهم أنهم يصبرون، وبعض الناس لا يصبرون، لكن الصبر بالإضافة إلى هذا الكلام يمكن تعلمه واكتسابه، بمعنى: يمكن أن يكون الإنسان غير صابر، فيتعود على أشياء معينة، ويتعلم أشياء معينة تصل به إلى اكتساب الصبر. ما هو الدليل؟ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام البخاري: (ومن يتصبر يصبره الله). إذاً: الرسول صلى الله عليه وسلم يقرر بأن الإنسان يمكن أن يتصبر -يعلم نفسه الصبر- ويكافح حتى يصل إلى مرحلة يكتسب فيها هذه الخصلة وهي الصبر، فإن المزاولات -مزاولة الشيء- تعطي الملكات ومن زاول شيئاً واعتاده وتمرن عليه صار ملكاً له، وسجيةً، وطبيعة كما يقول ابن القيم رحمه الله. وقد جعل الله في الإنسان قوة القبول والتعلم لهذه الطبائع- بالرغم من أنها طبائع إلا أنه من الممكن تعلم هذه الطبائع واكتسابها- غير أن العبد أحياناً إذا كان نزقاً لا يصبر، ثم حاول أن يكتسب الصبر ويتعود ويتطبع بالصبر، فقد يكون انتقاله هذا من عدم الصبر إلى الصبر ضعيفاً، فيعود العبد إلى طبعه الأصلي بأدنى فاعل؛ فأدنى وقعة تجعله يعود إلى عدم الصبر الذي كان سجيةً له. أحياناً يكون التصبر فيه قوة، بحيث لا يعود إلى سجيته الأولى التي هي عدم الصبر والحدة إلا بباعث قوي، فقد يكون في

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير