تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الصبر على الطاعة أفضل أم الصبر عن المعصية؟ هذه المسألة اختلف فيها العلماء، وقد رجح شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: بأن الصبر على فعل الطاعة أعلى من الصبر عن فعل المعصية؛ لأن الأصل المأمور، وما جاء النهي عن المحظور إلا تكملة وحفظاً للمأمور، صار الصبر على فعل المأمور أعلى. ويقول ابن القيم رحمه الله: يكون الصبر في وقت المأمور وفي الوقت المحظور هو الأفضل، فإذا حضرك شيء محظور كان الصبر عنه هو الأفضل في ذلك الوقت، وإذا حضرك شيء مأمور به صار الصبر عليه هو الأفضل في وقته.

أنواع الصبر عند ابن القيم:

وقسم بعض العلماء كما يقول ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين: الصبر إلى ثلاثة أنواع: 1 - صبر لله. 2 - صبر مع الله. 3 - صبر بالله. - فأما الصبر الذي بالله: فإن الله إذا لم يصبرك لم تصبر، فلذلك يقول الله تعالى: وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ [النحل:127] لأن الله عز وجل إذا ما صبرك لا تصبر، لأن الصبر آتي من الله عز وجل؛ لأنه هو الذي يرزقك الصبر. وأما الصبر لله: فهو أن يكون لوجه الله، فإن بعض الناس قد يصبرون عن أشياء لكن ليس لوجه الله، -مثلاً- على فعل الصلاة رياء، فيجب أن يكون صبره لله، إنسان يصلي أمام الناس من أول الصلاة إلى آخر الصلاة وهو يصبر نفسه ويحبسها على أفعال الصلاة، ولكن ليس صبراً لله وإنما لمراءاة الناس، فهذا لا يكون صبراً لله. - وأما الصبر مع الله: فبعض الصوفية يعرفونه بتعريفات منحرفة، ولكن يوجه ابن القيم رحمه الله هذه القضية، فيقول: الصبر مع الله، أي: مع أوامر الله بحيث يدور الإنسان المسلم معها حيث ما دارت، فأينما توجهت به الأوامر توجه معها، فهذا الإنسان يكون صبره دائماً مع الله عز وجل، حيث ما كانت مرضاة الله فهو يصبر.

صبر النعمة:

هناك أشياء في الصبر لا بد للإنسان المسلم منها، أحياناً يتصور الإنسان أن الصبر هو على قضية البلاء، لكن -أيضاً- لا بد أن يتصور الإنسان المسلم أن الصبر على النعماء لا يقل شدة عن الصبر على البلاء، ولذلك يقول بعض السلف: "ابتلينا بالضراء فصبرنا، وابتلينا بالسراء فلم نصبر". أحياناً الإنسان في مواجهة التحدي والمصاعب يصمد ويصبر، لكن إذا فتح عليه من زهرة الدنيا وزينتها لا يصبر. ويقول بعض السلف أيضاً: "البلاء يصبر عليه المؤمن والكافر، ولا يصبر على العافية إلا الصديقون". فعلاً! قد تجد بعض الكفار يصبرون على البلاء، قد تجد كافراً لا يتسخط ولا يشتكي، لكن لا يصبر على العافية إلا المخلصون والصديقون، فإذا جاءتك نعمة من الله عز وجل فكيف يكون صبرك عليها؟ أولاً: ألا تركن إليها ولا تغتر بها؛ هذا من الصبر في حال النعمة. ثانياً: ألا تنهمك في نيلها وتبالغ في استقصائها، كمن يبالغ في الأكل والشرب والجماع، حتى يؤدي ذلك إلى ضد ما يتمنى، فيؤدي به الإفراط في الأكل والشرب إلى التخمة، وإلى أن يضطر إلى أن يحمي نفسه عن الأكل والشرب، ويؤدي به الإفراط في الجماع إلى استنزاف قواه، وخور قواه العقلية أيضاً، ولذلك لا بد أن يحفظ الإنسان نفسه ولا يفرط في هذه الأشياء. ثالثاً: الصبر على أداء حق الله في هذه النعم، حتى لا يضيع الإنسان هذه الأشياء فيسلبها الله منه. رابعاً: أن يصبر عن صرف هذه الأشياء في الحرام؛ هذا كله من صبر النعمة. وكان بعض الصالحين يحمل في جيبه رقعة يخرجها كل ساعة فيطالعها إذا غفل، وكان مكتوب فيها: وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا [الطور:48] فإن الإنسان قد يصبر في الضراء لكن لا يصبر في السراء، فيجب أن يكون الصبر مصاحباً له في جميع الأحوال.

الصبر .. وقوة الإقدام والإحجام:

والصبر -أيها الإخوة- من أشق الأشياء على النفوس، وهذه المسألة التي سنذكرها الآن مهمة جداً. النفس فيها قوتان:

1 - قوة إقدام.

2 - قوة إحجام.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير