تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أن يستند عليها ولو لحظة واحدة- وكذلك يتورع عن الدقائق من الحرام، والقطرة من الخمر، ومثل رأس الإبرة من النجاسة؛ ولو أصابه قليل منها ذهب يغسل ويحتاط، لكنه إذا جاء إلى مسائل الغيبة والنميمة والتفكه في أعراض الخلق أطلق فيها لسانه؛ لسهولة العملية، بل وصل الأمر ببعضهم كما يقول ابن القيم رحمه الله إلى حالة عجيبة، فيقول: وكما يُحكى أن رجلاً خلا بامرأة أجنبية، فلما أراد مواقعتها قال: يا هذه! غطي وجهك فإن النظر إلى وجه الأجنبية حرام. فالدافع للشهوة عنده قوي!! النظر إلى وجه الأجنبية حرام، ثم يقع عليها ويواقعها. هذا كله من الورع الفاسد، وهذا الورع يشبه ورع ذلك الرجل الذي جاء في الحج إلى ابن عمر يسأله عن دم البعوض في الإحرام؟ فقال ابن عمر: من أين أنت؟ فقال: من أهل العراق، فقال ابن عمر: (تسألني عن البعوض وقد قتلتم ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وإني سمعته -صلى الله عليه وسلم- يقول: هما ريحانتاي من الدنيا) السبب أن هناك أناساً عندهم هذا الانحراف فعلاً، وهذه الازدواجية العجيبة، وعندهم مثل هذا الورع الفاسد، ما هو السبب؟ السبب يعود إلى قوة الدافع، وسهولة حصول الأمر.

أهمية الصبر:

الصبر له أهمية عظيمة، فالذي يتدبر آيات الكتاب العزيز يجد جانباً كبيراً من هذه الأهمية، فتجد أن الله عز وجل، كما يقول الإمام أحمد رحمه الله: عظم أمر الصبر في القرآن جداً، فأمر به في قوله: وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ [النحل:127] ونهى عن ضده، فقال: وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ [آل عمران:139]، وقال: وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ [الأحقاف:35] نهى عن ضد الصبر، وعلق الفلاح على الصبر، فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران:200] وأخبر عن مضاعفة الأجر للصابرين بأضعاف مضاعفة وبغير حساب، فقال تعالى: أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا [القصص:54] بل إنه يضاعف بغير حساب، كما قال تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر:10]. قال أحد السلف: كل عمل يعرف ثوابه إلا الصبر؛ لأن الله قال: بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر:10] ولذلك كان أجر الصوم غير مقدر، كما يقول الله في الحديث القدسي: (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به) لأن الصوم يتعلق أساساً بالصبر؛ وهو عبارة عن حبس النفس ومنعها عن الطعام والشراب والجماع والغيبة ... إلى آخره، بل إن الله علَّق الإمامة في الدين، على الصبر واليقين، كما قال الله عز وجل: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا فإن الله عز وجل جعل طائفة من الناس أئمة؛ يأتم بهم الناس ويقتدون بهم وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا [السجدة:24] فإذا أراد أحد منا أن يكون إماماً للناس يقتدى به، فعليه أن يأخذ بالصبر بالدرجة الأولى وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ [السجدة:24] ولذلك كان من أقوال ابن تيمية رحمه الله: "بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين". بل إن الله جعل للصابرين ظفراً ليس مثله ظفر، وهو: الظفر بمعيته عز وجل، فقال: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة:153]. وجمع للصابرين ثلاثة أمور لم يجمعها لغيرهم، وهي: 1 - صلاة منه عليهم. 2 - رحمته لهم. 3 - هدايته إياهم. ما هو الدليل؟ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة:155 - 157] فجمع لهم ثلاثة أشياء ما جمعها لأحد غيرهم: صلوات من ربهم، ورحمة، واهتداء. وكذلك جعل الله الصبر عوناً لنا، فقال تعالى: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ [البقرة:45] فجعله عوناً وزاداً وسلاحاً. وعلق النصر على الصبر، فقال عز وجل: بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةُ مُسَوِّمِينَ [آل عمران:125]، ولذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (واعلموا أن النصر مع الصبر).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير