قال العراقي: " الفائدة الخمسون لم يقل في الجزاء فهجرته إليهما وإن كان أخصر بل أتى بالظاهر فقال فهجرته إلى الله ورسوله وذلك من آدابه صلى الله عليه وسلم في تعظيم اسم الله أن يجمع مع ضمير غيره كما قال للخطيب بئس خطيب القوم أنت حين قال من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى وبين له وجه الإنكار فقال له قل ومن يعص الله ورسوله وهذا يدفع قول من قال إنما أنكر عليه وقوفه على قوله ومن يعصهما وقد جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الضمير في موضع آخر فقال فيما رواه أبو داود من حديث ابن مسعود إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا تشهد الحديث وفيه من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئا وظهر بهذا أن ترك جمعهما في ضمير واحد على وجه الأدب وأنه إنما أنكر على الخطيب ذلك تنبيها على دقائق الكلام ولأنه قد لا يكون عنده من المعرفة بتعظيم الله تعالى ما يعلمه صلى الله عليه وسلم من عظمته وجلاله والله أعلم " ().
قال الشيخ صلاح البدير حفظه الله في الجمع بين الأحاديث المانعة والمبيحة: إن كان قصد بالتشريك في الضمير التسوية بين الخالق والمخلوق فهو كفر. وإن لم يقصد التسوية نظرنا فإن كان التشريك في الضمير يقتضي معنى فاسداً منع منه كإنكاره صلى الله عليه وسلم على الخطيب قوله: " ومن يعصهما فقد غوى " لأن الغواية حاصلة بعصيان أحدهما. وإن كان عدم التشريك في الضمير يقتضي معنى فاسداً منع منه وصرنا إلى التشريك كقوله صلى الله عليه وسلم: " أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما لأن محبة الله فقط لا يتحقق بها الإيمان ومحبة الرسول صلى الله عليه وسلم فقط لا يتحقق بها الإيمان بل لا بد من اجتماع المحبتين، وإن كان التشريك لا يقتضي معنى فاسداً وعدم التشريك لا يقتضي معنى فاسداً أيضاً صار التشريك بذلك جائزاً.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحواشي
() أخرجه البخاري رقم (16) 1/ 14، ورقم (21) 1/ 16، ورقم (5694) 5/ 2246، ورقم (6542) 6/ 2546، ومسلم رقم (43) 1/ 66.
() أخرجه أبو داود رقم (1097) 1/ 287، ورقم (2119) 2/ 239، والبيهقي في السنن الكبرى رقم (13608) 7/ 146، وضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود رقم (1097) 1/ 287، ورقم (2119) 2/ 239، وصححه في صحيح الكلم الطيب رقم (206) ص 159.
() أخرجه البخاري رقم (5208) 5/ 2103، ورقم (3962) 4/ 1538، ورقم (3963) 4/ 1539، ورقم (2829) 3/ 1090، ومسلم رقم (1802، 1940) 3/ 1540.
() أخرجه مسلم رقم (870) 2/ 594، وأبو داود رقم (1099) 1/ 288، والنسائي في السنن الكبرى رقم (5530) 3/ 322، وابن حبان رقم (2798) 7/ 37.
() الفصول المفيدة في الواو المزيدة لصلاح الدين العلائي ص91 - 96.
() شرح النووي على صحيح مسلم ج6/ص159 - 160.
() الديباج على مسلم للسيوطي 2/ 449.
() فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر 1/ 61 - 62.
() شرح السيوطي لسنن النسائي 6/ 90 - 92.
() نيل الأوطار للشوكاني 3/ 325 – 326.
() عمدة القاري شرح البخاري للعيني 1/ 27.
() طرح التثريب في شرح التقريب للعراقي 2/ 22.