وأصحاب المستخرجاتِ لم يلتزم فيها مؤلفوها موافقة الصحيحين في الألفاظ؛ لأنَّهم إنما يروون بالألفاظ التي وقعت لهم عن شيوخهم؛ فحصل فيها تفاوت قليل في اللفظ، وفي المعنى، وكذا ما رواه البيهقي والبغوي في كتبهم لا سيّما السنن والمعرفة وشرح السُنة، قائلين: رواه البخاري أو مسلم وقع في بعضه تفاوت في المعنى وفي الألفاظ، فمرادهم بقولهم ذلك: أنَّهما رويا أصل الحديثِ دون اللفظ الذي أورده؛ فعلى هذا لا يجوز لك أن تنقل من الكتب المذكورة وتقول فيه: هو في الصحيحين إلا أنْ تقابله بهما.
فوائد المستخرجات:
1 - علو الإسناد.
2 - القوة عند كثرة الطرق للترجيح عند المعارضة.
3 - الرواية عن مختلطين قبل الاختلاط.
4 - الرواية عن المدلسين مع التصريح بالسماع.
5 - بيان المهملين والمبهمين.
6 - التمييز فيها للمتن المحال به على المتن المحال عليه، وهو في صحيح مسلم كثير.
لذا قال الحافظ ابن حجر: ((كل علة أُعلت في الصحيحين جاءت رواية المستخرج سالمةٍ
منها)) على أنَّ هذا القول ليس على إطلاقه، فليعلم.
مثال الحديث الصحيح
ما رواه الترمذي في شمائل النبي صلى الله عليه وسلم (208) قال: حدثنا علي بن حجر، قال: حدثنا ابن
المبارك، عن عاصم الأحول، عن الشعبي، عن ابن عباس، قال: سقيتُ النبي صلى الله عليه وسلم من زمزم فشرب، وهو قائم.
فهذا حديث صحيح قد استوفى شروط الصحة، فالترمذي صرح بالسماع من شيخه علي بن حجر، وعلي بن حجر صرح بالسماع من شيخه عبد الله بن المبارك، أما عنعنة ابن المبارك في روايته عن شيخه عاصم الأحول فهي محمولة على الاتصال هنا؛ لأنَّ ابن المبارك سماعه معروف من عاصم وروايتة عنه في صحيح البخاري وصحيح مسلم وكتاب النسائي، وهو يذكر في تلاميذ عاصم، وعاصم مذكور في شيوخ ابن المبارك وهو غير مدلسٍ، وكذلك عنعنة عاصم عن الشعبي محمولة على الاتصال فعاصم ليس مدلساً ومعروف بالرواية عن الشعبي وروايته عنه في الكتب الستة، والشعبي من شيوخ عاصم، وعاصم من تلاميذ الشعبي، وكذلك الشعبي في روايته عن ابن عباس فالشعبي ليس مدلساً وهو معروف بالرواية عن ابن عباس، وروايته عنه في الكتب الستة.
فمن خلال هذا العرض السريع يتبين لنا أنَّ هذا الحديث قد استوفى شرط الاتصال.
أما الشرط الثاني والثالث فعليُّ بن حجر قال عنه ابن حجر في التقريب (4700): ((ثقة حافظ)). فهذا قد جمع بين العدالة والضبط.
أما عبد الله بن المبارك فقد قال عنه الحافظ في التقريب (3570): ((ثقة ثبت فقيه عالم جواد مجاهد، جمعت فيه خصال الخير)). فهذا أيضاً قد جمع بين العدالة والضبط.
أما عاصم بن سليمان الأحول فقد قال عنه الحافظ بالتقريب (3060): ((ثقة)). فكذلك قد جمع بين العدالة والضبط.
أما الشعبي فهو عامر بن شراحيل الشعبي فقد قال عنه الحافظ ابن حجر في التقريب (3092): ((ثقة مشهور فقيه فاضل)). فكذا قد جمع بين العدالة والضبط.
فالحديث الآن قد استكمل ثلاثة شروط، وهي: الاتصال والعدالة والضبط؛ فصار إسناد الحديث صحيحاً، وبقي علينا أنَّ نبحث هل في الحديث شذوذ أو علة؟ فبعد البحث لم نجد في الحديث شذوذاً ولا علةً؛ فصار الحديث صحيحاً.
أما الصحيح لغيره: فهو الحديث الحسن الذي توبع راويه فارتقى من الحسن إلى الصحة مثل حديث محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)) فمحمد بن عمرو صدوق حسن الحديث، وقد توبع متابعات تامة ونازلة، فارتقى حديثه من حيز الحسن إلى حيز الصحة قال ابن الصلاح: ((محمد بن عمرو بن علقمة من المشهورين بالصدق والصيانة، لكنَّه لم يكن من أهل الإتقان حتّى ضعّفه بعضهم من جهة سوء حفظه، ووثقه بعضهم لصدقه وجلالته. فحديثه من هذه الجهة حسن، فلما انضم إلى ذلك. كونه روي من أوجه أخر زال بذلك ما كنا نخشاه عليه من جهة سوء حفظه، وانجبر به ذلك النقص اليسير، فصح هذا الإسناد، والتحق بدرجة الصحيح)).
ما هو المحكوم بصحته من أحاديث الصحيحين؟
المحكوم بصحته من أحاديث الصحيحين هو ما روياه بالإسناد المتصل أما ما روي معلقاً فهو ليس من نمط الصحيح، إنما ذكر استشهاداً واستئناساً؛ ليكون الكتاب جامعاً لمعاني الإسلام، والمعلقاتُ في البخاري كثيرةٌ بلغت (1341) معلقاً منها (159) مرفوعاً والبقية موقوفاتٌ ومقاطع وفي مسلم المعلقاتُ قليلةٌ بلغت (12) معلقاً وذكر بعض العلماء أن ما ذكره البخاري بصيغة الجزم فهو صحيح إلى من علقه إليه ويبقى النظر فيمن أُبرز من رجاله.
تتمة فيما يتعلق بالمستخرجات:
لو أن الطريق ضاق على صاحب المستخرج، ولم يجده من غير طريق من استخرج عليه؛ فهو إما أن يرويه من طريق المصنف، أو يعلقه أو يهمله.
تتميم:
انظر في الصحيح:
معرفة علوم الحديث: 58، ومعرفة أنواع علم الحديث: 79، وجامع الأصول 1/ 160، وإرشاد طلاب الحقائق 1/ 110 - 136، والتقريب: 31 - 42، والاقتراح: 186، ورسوم التحديث: 56، والمنهل الروي: 33، والخلاصة: 35، والموقظة: 24، واختصار علوم الحديث: 1/ 99، وبتحقيقي: 76، والمقنع 1/ 41، والشذا الفياح 1/ 66، ومحاسن الاصطلاح: 11، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 103، وتنقيح الأنظار: 25 ونزهة النظر: 38، والمختصر للكافيجي: 113، وفتح المغيث 1/ 17، وألفية السيوطي: 3 – 15، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 25، وفتح الباقي 1/ 95، وتوضيح الأفكار 1/ 7، وظفر الأماني: 120، وشرح شرح نخبة الفكر: 243، واليواقيت والدرر 1/ 335، وقواعد التحديث: 79، ولمحات في أصول الحديث: 108.
¥