فالنساء تميزن في التاريخ الإسلامي بالعلم وتعليم الناس، حتى قال الإمام الشوكاني مادحاً النساء العالمات والمحدثات: إنه لم ينقل عن أحد من العلماء بأنه رد خبر امرأة لكونها امرأة، فكم من سنة قد تلقتها الأمة بالقبول من امرأة واحدة من الصحابة، وهذا لا ينكره من له أدنى نصيب من علم السنة.
بل إن العجب في الأمر أن الإمام الذهبي رحمه الله كان يتحسر على عدم لقيا العالمة الجليلة
((أم محمد سيدة بنت موسى بن عثمان المارانية المصرية (المتوفاة سنة 695 هـ)
قال رحمه الله تعالى في ترجمتها: ((وقد رحلت إلى لقياها، فماتت وأنا بفلسطين في رجب سنة خمس وتسعين وست مئة))، وقال أيضاً: ((كنت أتلف على لقياها، ورحلت على مصر وعلمي أنها باقية، فدخلت فوجدتها قد ماتت من عشرة أيام، توفيت يوم الجمعة سادس رجب وأنا بوادي فحمة)).
2 - عائلة علم بسبب الوالد
عائلة ابن حجر العسقلاني فيها كثير من طالبات علم الحديث النبوي.
الحافظ ابن حجر العسقلاني خاتمة أمراء المؤمنين في الحديث، اسم مشهور عند من له أدنى عناية بالحديث النبوي، وكتابه ((فتح الباري)) من الكتب النافعة المانعة الجامعة، ويعد – بحق – شرحاً للكتب الستة (الصحيحين، والسنن الأربعة)، وقد قيل فيه: ((لا هجرة بعد الفتح)).
هذا الإمام العلامة كانت له عناية فائقة بتدريس زوجاته وبناته الحديث النبوي، وبرز في عائلته غير واحدة أتقنت هذا العلم واشتهرت بالرواية، وإليك بيان ذلك بالتفصيل:
- أخته
أخته ست الركب بنت علي بن محمد بن محمد بن حجر العسقلانية (ت 798 هـ)
كانت قارئة كاتبة، أعجوبة في الذكاء، أثنى عليها، وقال: ((وكانت أمي بعد أمي)). وذكر شيوخها وإجازاتها من مكة ودمشق وبعلبك ومصر، وقال: ((تعلمت الخط، وحفظت الكثير من القرآن،وأكثرت من مطالعة الكتب، فمهرت في ذلك جداً)). وكان لها أثر حسن عليه،
قال: ((وكانت بي برة رفيقة محسنة))، وقد رثاها بقصيدة عنها موتها.
وقد ذكر السخاوي تحصيلها وإنجازاتها وزواجها وأولادها، وأفاد أن لها ابنة اسمها موز (ت 850 هـ)، أخذت عن خالها ابن حجر، وأخذ عنها السخاوي، ولكنها لم تعمر، وماتت في حياة خالها وصلى عليها رحمها الله تعالى.
- زوجته
زوجته أنس ابنة القاضي كريم الدين عبدالكريم بن عبدالعزيز ناظر الجيش
كان الحافظ ابن حجر حريصاً أشد الحرص على نشر العلم بين أهل بيته وأقاربه كحرصه على نشر العلم بين الناس، ومن بين الذين حرص عليهم زوجته أنس هذه، فقد أسمعها من شيخه حافظ العصر عبدالرحيم العراقي الحديث المسلسل بالأولية، وكذا أسمعها إياه من لفظ العلامة ابن الكويك، وأجاز لها باستدعاء عدد من الحفاظ، منهم: أبو الخير ابن الحافظ العلائي، وأبو هريرة عبدالرحمن ابن الحافظ الذهبي، ولم تكن الاستدعاءات لها لتقتصر على المصريين فقط، بل من الشاميين والمكيين واليمنيين.
وقد لمع نجم أنس هذه في علم الرواية في حياة زوجها، وكان في بعض الأحيان يداعبها بقوله: ((قد صرت شيخة))، وكان زوجها يكن لها الاحترام الكبير، كما كانت هي عظيمة الرعاية له.
وقد حدثت بحضور زوجها، وقرأ عليها الفضلاء، وكانت تحتفل بذلك وتكرم الحاضرين، وقد خرج لها السخاوي أربعين حديثاً عن أربعين شيخاً وقراها عليها بحضور زوجها، وكانت كثيرة الإمداد للعلامة إبراهيم بن خضر ابن أحمد العثماني، (ت 852 هـ)، العلامة المتفنن،الذي كان يقرأ لها ((صحيح البخاري)) في رجب وشعبان من لك سنة، وتحتفل يوم الختم بأنواع من الحلوى والفاكهة، ويهرع الصغار والكبار على حضور ذلك اليوم قبيل رمضان بين يدي زوجها الحافظ، ولما مات الحافظ ابن خضر، قرأ لها سبطها يوسف ابن شاهين ولم تضبط لها هفوة ولا زلة.
- بناته
ابنته زين خاتون (ت833 هـ)
اعتنى بها أبوها واستجاز لها في سنة ولادتها (802 هـ) وما بعدها، وأسمعها على شيوخه كالعراقي والهيثمي، وأحضرها على ابن خطيب دارياً، وتعلمت القراءة والكتابة، وولدت يوسف بن شاهين المعروف بـ (سبط ابن حجر) الذي كانت له عناية بكتب جده، وكتب من أماليه، وصنف ونسخ كتب ابن حجر.
ولم تظهر لابنته زين خاتون رواية، ولم تشتهر بذلك لوفاتها شابة سنة (833 هـ) عن نحو ثلاثين سنة وهي حامل، بالطاعون رحمها الله تعالى.
- ابنته فرحة (ت 828 هـ)
¥