تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ثم وضح الله عز وجل هذا الصراط المستقيم فقال عز وجل: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7]، ومعنى (صراط): أي: طريق، و (صراط) هنا بدل من الصراط، ولذلك نجد أنها منصوبة كما نصبت الصراط، لكن تلك بـ (أل) وهذه مضافة؛ لئلا تجتمع (أل) والإضافة، أي: طريق الذين أنعمت عليهم، والمراد بالذين أنعم الله عليهم: هم المؤمنون، فالله عز وجل أنعم على المؤمنين، وأضل الكافرين عن هذا الطريق. (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ)، أي: من عباد الله المؤمنين، وهذه النعمة المراد بها نعمة الإسلام، وليس المراد بها نعمة المادة فقط التي يسألها ويطلبها ويسعى إليها كثير من الناس، فنعمة الإسلام هي أكبر نعمة، وأكبر ما من الله عز وجل به على واحد من الناس أن هداه لهذا الدين، ولذلك أخبر الله عز وجل فقال: (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ)، أي: أنعمت عليهم بالهداية، وأنعمت عليهم بالتوفيق، وقد ضل عن هذا الطريق أناس كثر، ولذلك قال هنا في أولها: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)، وأخبر بأن هؤلاء الذين هداهم الله عز وجل هم الذين أنعم الله عليهم، كما قال الله عز وجل في سورة النساء: فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ [النساء:69]، أي: نعمة الهداية في الدنيا، ونعمة الجنة والدرجة العالية في الحياة الآخرة، ولذلك قال الله عز وجل: (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ)، أي: نعمة سابغة، وهي أعظم نعمة، فنعمة المال والأهل والولد كل هذه في الحقيقة تعتبر نعمة، لكنها وإن كانت نعمة في الحقيقة إلا أنها نعمة دون النعمة الكبرى، فالنعمة الكبرى هي هداية الإسلام، وما أنعم الله عز وجل على أحد أفضل وأكثر مما أنعم به في الهداية إلى الإسلام، وهذا معنى قوله تعالى: (أنعمت عليهم) وهم المسلمون.

تفسير قوله تعالى: (غير المغضوب عليهم ولا الضالين)

ثم بين أن هؤلاء الذين أنعم الله عليهم هم المسلمون، والدليل أنهم مسلمون أن الله تعالى قال: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، والمغضوب عليهم: هم اليهود، والضالون: هم النصارى، وكل من غضب الله عز وجل عليه من المسلمين فإنه سلك مسلك اليهود، وكل من ضل الطريق بعد الهداية والتوفيق من الله عز وجل فإنه يعتبر من الضالين في حساب النصارى، وإن كان المغضوب عليهم في الأصل هم اليهود، والضالون هم النصارى. وكلمة (الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ)، تدل على أن المغضوب عليهم أشد خطراً وسوءاً وإجراماً من الضالين؛ لأن الإنسان إذا ضل الطريق هو في الحقيقة ترجى له الهداية، لكن الذي يغضب الله عز وجل عليه فإنه يعتبر أسوأ الناس؛ لأن الله عز وجل غضب عليه وقال: وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ [المائدة:60]، فالمغضوب عليهم: هم اليهود؛ بدليل هذه الآية التي في سورة المائدة: مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ [المائدة:60]. وسمى اليهود مغضوباً عليهم؛ لأن كتبهم السماوية التي نزلت على أنبيائهم كلها تذكر صفة محمد صلى الله عليه وسلم، ولكنهم كانوا ينتظرون قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم أنه سيبعث، ويعدون العرب في مكة والمدينة، كانوا يخبرون أهل المدينة بأنه سيبعث رجل من العرب هذه صفاته، وهذا اسمه .. إلى غير ذلك، فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم كفروا به، ولذلك يقول الله عز وجل: وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ [البقرة:101] وهم اليهود، نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ [البقرة:101]، وكذلك النصارى معهم: كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ [البقرة:101]، الذي هو التوراة والإنجيل الذي جاء بصفات محمد صلى الله عليه وسلم، نبذوا حتى كتبهم وراء ظهورهم وكفروا به؛ لأنه أخبر عن محمد صلى الله عليه وسلم، ولذلك غضب الله تعالى عليهم وتوعدهم بالنار، بل جعلهم أشر أنواع الكفار، كما في قوله تعالى: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى [المائدة:82]. علماً يا أخي الكريم! أن هذه الآية لا تدل على أن النصارى إخوة للمسلمين، كما يقول بعض

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير