ولا تقتصر أهمية الموضوع على الباحثين فحسب، فالموضوع يتصل بكلام الله جل وعلا وشرعة هذه الأمة ومنهاجها، والأعداء يتربصون بالأمة الإسلامية وكتابها أشد التربّص، لنفث سمومهم ونشر شبهاتهم للطعن في القرآن الكريم من خلال اختلاف قراءاته.
ولئن كان مثار الجدل حول اختلاف أوجه القراءات مقصورا على فئات معينة فإنه في هذا العصر أصبح أكثر اتساعا بواسطة وسائل الإعلام والاتصال المتعددة التي لم يسبق لها مثيل.
فهذا الموضوع وأشباهه من أهم الموضوعات التي ينبغي أن يتجرد لها أهل الاختصاص لحماية هذه الثغرة والحفاظ على ميراثنا الرباني المجيد، ويأتي في مقدمة تلك الموضوعات ما يُعنى بالأسس والمناهج التي إذا أُبرزت بالصورة الصحيحة أسهمت في الكشف عن مظهر حضاري لهذا الدين العظيم، ألا وهو سلامة مناهجه، وثبات مقاييسه، وصدقية أحكامه.
هدف البحث:
يستهدف هذا البحث دراسة الكلمات القرآنية التي قرئت على أكثر من وجه، وذلك بالكشف عن الأسس والضوابط المعتبرة التي عوّل عليها القراء في الحكم علي القراءات، مع دراسة تطبيقية ترسخ ذلك المنهج لدا الباحثين نظريا وعمليا.
خطة البحث:
تتكون خطة هذا البحث من مقدمة وأربعة فصول وخاتمة،وذلك على النحو التالي:
المقدمة: وتتضمن أهمية البحث وهدفه وخطته، كما تقدم بيانه.
الفصل الأول: تاريخ الحكم على القراءات وأهميته، ويشتمل على مبحثين:
المبحث الأول: تاريخ الحكم على القراءات.
المبحث الثاني: أهمية الحكم على القراءات.
الفصل الثاني: أنواع القراءات ومراتبها، ويشتمل على مبحثين:
المبحث الأول: ما يُقرأ به وما لا يُقرأ به.
المبحث الثاني: مراتب القراءات.
الفصل الثالث: الخطوات العلمية للحكم على القراءات، ويشتمل على مبحثين:
المبحث الأول: الحكم على القراءة عن طريق مصادرها.
المبحث الثاني: الحكم على القراءة من خلال دراستها.
الفصل الرابع: الدراسة التطبيقية على الحكم على القراءات.
الخاتمة: وتتضمن أهم نتائج البحث.
...
الفصل الأول: تاريخ الحكم على القراءات وأهميته ويشتمل على مبحثين:
المبحث الأول: تاريخ الحكم على القراءات.
المبحث الثاني: أهمية الحكم على القراءات.
تاريخ الحكم على القراءات:
يرجع تاريخ الحكم على القراءات إلى بداية الإذن بالقراءة على سبعة أحرف، فكان الحُكم ـ عند اختلاف الصحابة في القراءات ـ إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ففي حادثة عمر (ت 23 هـ) رضي الله عنه مع هشام بن حكيم (ت بعد 15 هـ) رضي الله عنه لما استقرأهما الرسول صلى الله عليه وسلم صوّب قراءة كل واحد منهما) (، كما وجّه الصحابة رضوان الله تعالى عليهم إلى أن يقرؤوا كما عُلّموا ().
فلا يقبل من القراءات إلا ما كان منقولا عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا النهج جمَع أبو بكر الصديق (ت 13 هـ) رضي الله عنه القرآن الكريم، إذ كان من شروطه أن لا يثبتوا بين اللوحين إلا ما ثبت سماعه من الرسول صلى الله عليه وسلم وتُلقي عنه ()،ومما يدل على ذلك قول عمر بن الخطاب (ت 23 هـ) رضي الله عنه: " من كان تلقى من رسول الله شيئا من القرآن فليأتنا به " ()، فالتلقي شرط معتبر في القرآن الكريم وقراءاته.
وقد لزم جميع الصحابة رضوان الله عنهم هذا النهج القويم، حيث كانوا يقرؤون بما تعلموا، ولا ينكر أحد على أحد قراءته، ثم أن انتشروا في البلاد يعلمون الناس القرآن والدين، " فعلّم كل واحد منهم أهل مصره على ما كان يقرأ على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فاختلفت قراءة أهل الأمصار على نحو ما اختلفت قراءة الصحابة الذين علموهم " ().
وبعد سنة واحدة من خلافة عثمان بن عفان (ت 35 هـ) رضي الله عنه، أي في حدود سنة خمس وعشرين () شهد حذيفة بن اليمَان (ت 35 هـ) رضي الله عنه فتح أَرْمينية وأَذربيجان فوجد الناس مختلفين في القرآن، " ويقول أحدهم للآخر: قراءتي أصح من قراءتك، فأفزعه ذلك () " فركب حذيفة إلى أمير المؤمنين رضي الله عنهما، فقال: " يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى" ().
¥