[دراسات تحليلية لترجيحات ابن قيم الجوزية التفسيرية]
ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[10 - 12 - 02, 12:13 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين وأشرف المرسلين محمد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فيسرني أن أبدأ في المشاركة معكم في هذا المنتدى بسلسلة دروس موسعة في أهم أنواع التفسير التحليلي، وهو التفسير المقارن الذي يرتكز على ذكر الآيات التي وقع في تفسيرها خلاف بين المفسرين، والمقارنة بين أقوالهم، مع ترجيح الراجح منها، وبيان الصواب فيها.
وستكون هذه السلسلة مرتبطة بالترجيحات التي أوردها ابن القيم في كتبه من خلال تفسيره المجموع، حيث أذكر كلامه حول الآية، وما رجحه من الأقوال في تفسيرها، ثم أتبع ذلك بدراسة مفصلة لترجيحه، مع مقارنته بترجيحات المفسرين الآخرين، ثم أختم الدراسة بذكر ما أراه راجحاً مع التعليل.
فأرجو أن ينال هذا البحث إعجابكم، وأن يكون عوناً لنا جميعاً على فهم كلام ربنا، ومعرفة تفسيره، وتدبر معانيه.
ثم إني أرجو ممن له اهتمام بمثل هذه الموضوعات البحثية من طلبة العلم والباحثين ألا يبخل علينا بمشاركاته الهادفة ونقده البناء.
وفق الله الجميع لما فيه رضاه، وهدانا إلى طريق هداه، وما توفيقي إلا بالله.
ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[10 - 12 - 02, 12:16 ص]ـ
معنى (غلف) في قوله تعالى: (وقالوا قلوبنا غلف)
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى: (وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ) (البقرة:88)
ذكر ابن القيم –رحمه الله – قولين في معنى قول اليهود قلوبنا غلف:
أحدهما: أن المعنى: قلوبنا أوعية للحكمة والعلم، على أن غلف جمع غلاف.
والثاني: أن المعنى: قلوبنا لا تفقه عنك ما تقول فهي في غشاوة، وعلى هذا ف"غلف" جمع أغلف، وهو كل شيء في غلاف.
وقد رجح القول الثاني، وذكر أنه قول أكثر المفسرين، وأنه الصواب في معنى الآية.
قال رحمه الله:
(اختلف في معنى قولهم: "قلوبنا غلف"
فقالت طائفة: المعنى قلوبنا أوعية للحكمة والعلم، فما بالها لا تفهم عنك ما أتيت به أو لا تحتاج إليك، وعلى هذا فيكون غلف جمع غلاف.
والصحيح قول أكثر المفسرين أن المعنى: قلوبنا لا تفقه ولا تفهم ما تقول، وعلى هذا فهو جمع أغلف كأحمر وحُمر. قال أبو عبيده: كل شيء في غلاف فهو أغلف، كما يقال سيف أغلف وقوس أغلف، ورجل أغلف غير مختون. قال ابن عباس وقتادة ومجاهد: على قلوبنا غشاوة، فهي في أوعية لا تعي ولا تفقه ما تقول. وهذا هو الصواب في معنى الآية لتكرر نظائره في القرآن: كقولهم: "قلوبنا في أكنة" [فصلت: 5]
وقوله تعالى: "كانت أعينهم في غطاء عن ذكري" [الكهف: 101] ونظائر ذلك.
وأما قول من قال: هي أوعية للحكمة فليس في اللفظ ما يدل عليه ألبتة، وليس في القرآن نظير يحمل عليه، ولا يقال مثل هذا اللفظ في مدح الإنسان نفسه بالعلم والحكمة، فأين وجدتم في الاستعمال قول القائل: قلبي غلاف، وقلوب المؤمنين العالمين غلف، أي أوعية للعلم؟ والغلاف قد يكون وعاءً للجيد والرديء، فلا يلزم من كون القلب غلافاً أن يكون داخله العلم والحكمة. وهذا ظاهر جداً.) انتهى [شفاء العليل:]
الدراسة
القول الذي رجحه ابن القيم هو قول أكثر المفسرين –كما ذكر في كلامه السابق -.
وممن قال به: ابن عباس، ومجاهد، والأعمش،وقتادة، والسدي، وابن زيد
كما روى ذلك عنهم ابن جرير في تفسيره.
وهذا القول بيّن وظاهر، وهو الذي ذكره المفسرون في معنى الآية، فلا نطيل بذكر أقوالهم في ذلك؛ فهي مبسوطة في كتب التفسير، وكتب غريب القرآن.
وظاهر كلام ابن القيم السابق أن القولين المذكورين في معنى "قلوبنا غلف" يرجعان إلى قراءة واحدة، وهي القراءة المشهورة التي عليها جمهور القراء "غُلْف" بإسكان اللام، وهي قراءة العشرة.
وفي هذه الكلمة قراءة أخرى بضم اللام "غُلُف" وهي من شواذ القراءات.
وأكثر المفسرين جعلوا المعنى الذي صححه ابن القيم للقراءة المشهورة بسكون اللام، والمعنى الذي ضعفه للقراءة الشاذة. [ينظر كلام ابن جرير في تفسيره .... ، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة ص57،58].
وذكر بعض المفسرين أن قراءة الجمهور "غلْف" تحتمل المعنيين.
¥