[مكانة الأشعري والشهرستاني في نقل مقالات الناس عند الإمام ابن تيمية:]
ـ[أبو عمر السمرقندي]ــــــــ[10 - 03 - 05, 07:56 م]ـ
- قال الإمام أبوالعباس أحمد بن عبدالحليم بن تيمية رحمه الله في منهاج السنة (6/ 300 - 307):
" ما ينقله الشهرستاني، وأمثاله من المصنفين في الملل والنحل, عامته مما ينقله بعضهم عن بعض , وكثير من ذلك لم يحرر فيه أقوال المنقول عنهم, ولم يذكر الإسناد في عامة ما ينقله.
بل هو ينقل من كتب من صنف المقالات قبله.
مثل أبي عيسى الورَّاق، وهو من المصنفين للرافضة, المتهمين في كثير مما ينقلونه.
ومثل أبي يحيى وغيرهما من الشيعة.
وينقل أيضا من كتب بعض الزيدية والمعتزلة الطاعنين في كثير من الصحابة.
ولهذا تجد نقل الأشعري أصحّ من نقل هؤلاء , لأنه أعلم بالمقالات , وأشد احترازا من كذب الكذابين فيها.
مع أنه يوجد في نقله , ونقل عامة من ينقل المقالات بغير ألفاظ أصحابها، ولا إسناد عنهم =من الغلط ما يظهر به الفرق بين قولهم وبين ما نقل عنهم.
حتى في نقل الفقهاء بعضهم مذاهب بعض , فإنه يوجد فيها غلط كثير , وإن لم يكن الناقل ممن يقصد الكذب.
بل يقع الغلط على من ليس له غرض في الكذب عنه , بل هو معظم له أو متبع له.
وكثير من الناقلين ليس قصده الكذب , لكن المعرفة بحقيقة أقوال الناس من غير نقل ألفاظهم وسائر ما به يعرف مرادهم = قد يتعسر على بعض الناس , ويتعذر على بعضهم.
ثم إن غالب كتب أهل الكلام والناقلين للمقالات ينقلون في أصول الملل والنحل من المقالات ما يطول وصفه.
ونفس ما بعث الله به رسوله, وما يقوله أصحابه والتابعون لهم في ذلك الأصل , الذي حكوا فيه أقوال الناس =لا ينقلونه.
لا تعمداً منهم لتركه , بل لأنهم لم يعرفوه , بل ولا سمعوه , لقلَّة خبرتهم بنصوص الرسول وأصحابه والتابعين.
وكتاب المقالات للأشعري أجمع هذه الكتب وأبسطها , وفيه من الأقوال وتحريرها ما لا يوجد في غيرها.
وقد نقل مذهب أهل السنة والحديث بحسب ما فهمه وظنه قولهم, وذكر أنه يقول بكل ما نقله عنهم.
وجاء بعده من أتباعه - كابن فورك- من لم يعجبه ما نقله عنهم, فنقص من ذلك وزاد.
مع هذا .. فلكون خبرته بالكلام أكثر من خبرته بالحديث ومقالات السلف وأئمة السنة =قد ذكر في غير موضع عنهم أقوالا في النفي والإثبات لم تنقل عن أحد منهم أصلا مثل ذلك الإطلاق, لا لفظا ولا معنى.
بل المنقول الثابت عنهم يكون فيه تفصيل في نفى ذلك اللفظ والمعنى المراد وإثباته.
وهم منكرون الإطلاق الذي أطلقه من نقل عنهم, ومنكرون لبعض المعنى الذي أراده بالنفي والإثبات.
والشهرستاني قد نقل في غير موضع أقوالاً ضعيفة , يعرفها من يعرف مقالات الناس , مع أن كتابه أجمع من أكثر الكتب المصنفة في المقالات وأجود نقلا , لكن هذا الباب وقع فيه ما وقع.
ولهذا لما كان خبيراً بقول الأشعرية وقول ابن سينا ونحوه من الفلاسفة , كان أجود ما نقله قول هاتين الطائفتين.
وأما الصحابة والتابعون وأئمة السنة والحديث , فلا هو ولا أمثاله يعرفون أقوالهم.
بل ولا سمعوه على وجهها بنقل أهل العلم لها بالأسانيد المعروفة , وإنما سمعوا جملا تشتمل على حق وباطل.
ولهذا إذا اعتبرت مقالاتهم الموجودة في مصنفاتهم الثابتة بالنقل عنهم, وجد من ذلك ما يخالف تلك النقول عنهم.
وهذا من جنس نقل التواريخ والسير ونحو ذلك من المرسلات والمقاطيع وغيرهما , مما فيه صحيح وضعيف ...
وأما قوله -[يعني: ابن المنجَّس الحلِّي]-: ((إن الشهرستاني من أشدِّ المتعصبين عل الإمامية)).
فليس كذلك, بل يميل كثيراً إلى أشياء من أمورهم , بل يذكر أحيانا أشياء من كلام الإسماعيلية الباطنية منهم ويوجهه.
ولهذا اتهمه بعض الناس بأنه من الإسماعيلية, وإن لم يكن الأمر كذلك.
وقد ذكر من اتهمه شواهد من كلامه وسيرته.
وقد يقال: هو مع الشيعة بوجه , ومع أصحاب الأشعري بوجه.
وقد وقع في هذا كثير من أهل الكلام والوعاظ, وكانوا يدعون بالأدعية المأثورة في صحيفة علي بن الحسين, إن كان أكثرها كذبا على علي ابن الحسين.
وبالجملة .. فالشهرستاني يظهر الميل إلى الشيعة , إما بباطنه وإما مداهنة لهم , فإن هذا الكتاب – كتاب "الملل والنحل"- صنفه لرئيس من رؤسائهم , وكانت له ولاية ديوانية.
وكان للشهرستاني مقصود في استعطافه له.
وكذلك صنف له كتاب"المصارعة" بينه وبين ابن سينا, لميله إلى التشيع والفلسفة.
وأحسن أحواله أن يكون من الشيعة , إن لم يكن من الإسماعيلية , أعنى المصنَّف له.
ولهذا تحامل فيه للشيعة تحاملا بينا.
وإذا كان في غير ذلك من كتبه يبطل مذهب الإمامية , فهذا يدل على المداهنة لهم في هذا الكتاب لأجل من صنفه له ... ".