وفى كلام ابن عمر برهان على أن تعلمه إجماع من الصحابة - رضى الله عنهم - أجمعين وصح بل تواتر عندنا تعلمه والاعتناء به من السلف الصالح كأبى جعفر يزيد ابن القعقاع - أحد القراء العشرة - وإمام أهل المدينة الذى هو من أعيان التابعين، وصاحبه الإمام نافع بن أبى نعيم وأبى عمرو بن العلاء، ويعقوب الحضرمى، وعاصم بن أبى النجود - وهم من القراء العشرة - وغيرهم من الأئمة، وكلامهم فى ذلك معروف، ونصوصهم عليه مشهورة فى الكتب ومن ثم اشترطه كثير من أئمة الخلف على المجيز أن لا يجيز أحداً إلا بعد معرفته الوقف والابتداء، وكان أئمتنا يوقفوننا عند كل حرف، ويشيرون إلينا فيه بالأصابع سنة أخذوها كذلك عن شيوخهم الأولين -رحمة الله عليهم أجمعين. ا. هـ ()
4 - وروى أن عمر بن عبدالعزيز – رضى الله عنه – كان إذا دخل شهر رمضان قام أول ليلة منه خلف الإمام يريد أن يشهد افتتاح القرآن، فإذا ختم أتاه أيضاً ليشهد ختمه فقرأ الإمام قوله تعالى: ((وإذا قيل لهم لا تفسدوا فى الأرض قالوا إنما نحن مصلحون)) () ثم توقف عن القراءة وركع فعابه عمر وقال: قطعت قبل تمام القصة إذ كان ينبغى عليه أن يكمل الآية التى بعدها إذ فيها رد القرآن على دعواهم هذه وهو قوله سبحانه: ((ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ((()
5 - وأختم هذه الأدلة بحديث نبوى كما استهللتها به وهو حديث أبى بن كعب، قال: أتينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم - فقال: "إن الملك كان معى فقال: اقرأ القرآن، فعد حتى بلغ سبعة أحرف فقال: ليس منها إلا شاف كاف ما لم تختم آية عذاب برحمة، أو تختم رحمة بعذاب" ()
قال أبو عمرو الدانى: هذا تعليم التمام من رسول الله -صلى الله عليه وسلم - عن جبريل عليه السلام، إذ ظاهره دالّ على أنه ينبغى أن تقطع الآية التى فيها ذكر النار والعقاب وتفصل مما بعدها إذا كان بعدها ذكر الجنة والثواب، والأمر كذلك أيضاً إذا كانت الآية فيها ذكر الجنة والنار بأن يفصل الموضع الأول عن الثانى.
قال السخاوى معقباً: لأن القارئ إذا وصل غير المعنى، فإذا قال: ((تلك عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين)) () غيرّ المعنى وصير الجنة عقبى الكافرين. ()
مقدار الوقف:
روى عن ابن عباس - رضى الله عنهما - أن مقدار الوقف هو مقدار ما يشرب الشربة من الماء. وقيل: بل مقدار ما يقول: أعوذ بالله من النار ثلاث مرات أو سبع مرات.
مذاهب القراء فيما يعتبر فى تحديد مواضع الوقف والابتداء:
ذكر السيوطى فى الإتقان () مذاهب أئمة القراء فى ذلك فقال:
لأئمة القراء مذاهب فى الوقف والابتداء، فنافع كان يراعى تجانسهما بحسب المعنى، وابن كثير وحمزة حيث ينقطع النفس - وهو الوقف الاضطرارى - واستثنى ابن كثير قوله تعالى: ((وما يعلم تأويله إلا الله)) ()، وقوله تعالى: ((وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم)) ()، ()، وقوله تعالى: ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر)) () وعاصم والكسائى - يقفان - حيث تم الكلام، وأبو عمرو يتعمد رءوس الآيات، وإن تعلقت بما بعدها، اتباعاً لهدى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسنته - حيث - روى أبو داود وغيره عن أم سلمة أن النبى - صلى الله عليه وسلم - " كان إذا قرأ قطع قراءته آية آية يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، ثم يقف، الحمد لله رب العالمين، ثم يقف، الرحمن الرحيم، ثم يقف" ()
أقسام الوقف
قسم العلماء الوقف إلى أقسام عدة مختلفين فى اتجاهاتهم نحو هذا التقسيم، والذى يترجح لدى واستقر الرأى عندى على اختياره من بين ما ذكره العلماء من
أقسام أن الوقف ينقسم إلى قسمين:
الأول: وقف اضطرارى:
وهو ما اضطر إليه بسبب ضيق تنفس، ونحوه، كعجز ونسيان، فعلى القارئ وصله بعد أن يزول سببه، وذلك بأن يبدأ من الكلمة التى وقف عليها إن صلحت للابتداء بها، وإلا ابتدأ بعد وقف صالح مما قبلها.
الثانى: وقف اختيارى:
وهو ما قصد لذاته من غير عروض سبب من الأسباب فهو مما يختاره القارئ ويقصده للاستراحة والتنفس، وهذا القسم الثانى هو المقصود بالحديث عن الوقف، لأنه هو الذى يعتمد عليه فقه القارئ وبصيرته حيث تظهر فيه شخصيته فى اختيار ما يقف عليه وما يبتدئ به.
ثم إن هذا القسم ينقسم إلى أقسام هى:
¥